القاهرة | شهدت الأيام الماضية صدامات عنيفة بين أهالي جزيرة الوراق في وسط القاهرة وقوات الشرطة، على خلفية تَواصل عمليات الإخلاء القسري لسكان الجزيرة، تمهيداً لتحويلها إلى منطقة سياحية تضمّ أبراجاً حديثة وتقدّم خدمات ترفيهية. وكانت اشترطت الشركات الإماراتية المموِّلة للمشروع بمليارات الدولارات، تسلُّم الأرض من دون أيّ مشكلات أو نزاعات مع الأهالي، الذين يبلغ إجمالي التعويضات المفترَض أن تصرَف لهم نحو 500 مليون دولار، فيما ستُنقَل مُلكية الجزيرة، التي تبلغ مساحتها 6.360 كيلومتر مربّع (نحو 1800 فدان تملك منها الحكومة نحو 888 فداناً)، إلى «هيئة المجتمعات العمرانية» الجديدة المسؤولة عن عملية إعادة بناء وتطوير «الوراق» على حساب أرزاق سكانها الذين يعملون في الزراعة والصيد.وخلال سنوات قليلة، سيكون على الجزيرة 94 برجاً ضخماً، تضم 4029 وحدة سكنية، بالإضافة إلى مشروعات تجارية وترفيهية تستغل موقع «الوراق» المتميّز. وتُسابق الحكومة الزمن من أجل البدء في تنفيذ المشاريع، التي ستوفّر لها مصدر دخل مهمّاً بالدولار، لا سيما من خلال بيع العقارات التي يُتوقّع أن تفوق أسعارها أسعار الوحدات السكنية حتى في العاصمة الإدارية الجديدة. وبرّرت الحكومة عملية الإجلاء، التي فشلت الحكومات السابقة في تنفيذها، بالمخاوف من ارتفاع منسوب التلوّث في مياه النيل نتيجة الكتل السكنية المبنيّة بشكل غير مخطَّط داخل الجزيرة، وازدياد مساحتها من 150 فداناً عام 2006، إلى 400 فدان في 2019، وافتقارها إلى شبكات الصرف الصحّي. لكن هذه الحجّة سرعان ما دحضتها المعطيات الحكومية، إذ كشف المخطَّط العام لإعادة بناء "الوراق" عن مشروعات خرسانية عملاقة لا تتناسب مع الادّعاءات الحكومية بأن التطوير مرتبط بالرغبة في الحفاظ على البيئة. ويُضاف إلى ذلك، أنه منذ عام 2006، فُرضت على سكّان الجزيرة قيود في البناء والإصلاح، إلى درجة أن أيّ عملية تطوير لم يكن يُسمح بها، فيما مُنع البناء بشكل كامل.
اشترطت الشركات الإماراتية المموِّلة للمشروع تسلُّم الأرض من دون أيّ مشكلات


ووقعت اشتباكات بين الأهالي والشرطة قبل سنوات، عندما حاولت الحكومة إخلاء بعض المنازل قسرياً. وعلى أثر ذلك، اعتُقل 17 مواطناً لا تزال محاكمتهم سارية، بعدما قضت محكمة أول درجة بالسجن المؤبّد على غالبيتهم. أما اليوم، فتزعم الحكومة أن عملية الإخلاء تجرى بالتراضي، وأنه خُصّص مبلغ 5 مليارات جنيه لغرض التعويض، لكن ما تقدّمه الحكومة بديلاً من فدان الأراضي في وسط النيل، هو 19 فداناً في مدينة السادات في قلب الصحراء على طريق القاهرة - الإسكندرية الصحراوي، فيما تعدّ متطلّبات الحصول على شقق بديلة، مجحفة بالنسبة للأهالي، سواءً في حال انتقالهم إلى المدن الجديدة في أطراف القاهرة أو حتى إعادتهم لاحقاً إلى مساكنهم، التي ستؤجر لهم بعدما كانوا يمتلكونها، مع عدم أحقّيتهم في توريثها لأبنائهم، وحصرهم في مناطق بعيدة من المواقع الاستثمارية، وهو عيْن ما حدث في عملية تطوير منطقة ماسبيرو في وسط القاهرة.
وعلى خلفية ذلك، وجّهت السلطات بإخفاء أيّ أوراق أو بيانات عن الأهالي في الدوائر الحكومية، ومنع تسليمها لهم، في محاولة لإحباط أيّ خطوة تهدف إلى إيقاف عمليات الإزالة قضائياً. وعلى رغم أن سكّان الجزيرة يحاولون الدفاع عن منازلهم التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، والتزموا بسداد الرسوم المقرَّرة من الحكومة عليها على مدار سنوات، إلّا أن وزير الإسكان، عاصم الجزار، اتّهم "الإخوان المسلمين" بأنهم السبب في إثارة الغضب الشعبي. كما حاولت السلطات التغطية على ما يحصل عبر منع وسائل الإعلام الأجنبية من الوصول إلى "الوراق"، فيما لم تهتمّ وسائل الإعلام المحلية التابعة لجهاز الاستخبارات بتفاصيل الحدث وخلفياته، واكتفت بإبراز التصريحات الحكومية.