كلّ اتّفاقيات التهدئة أو الهدنة افتقرت إلى أيّ ضمانة بالتزام إسرائيل ببنودها
وإذا كانت الحوادث المُشار إليها تُظهر تلاعُب الاحتلال، وامتطاءه الوساطات لتنفيذ عمليات اغتيال وازنة، فإن التدقيق في كلّ اتّفاقيات التهدئة أو الهدنة، يُظهر أنها افتقرت إلى أيّ ضمانة بالتزام إسرائيل ببنودها، التي نصّت في معظمها على ضرورة تخفيف الحصار عن غزة، وتقديم تسهيلات مصرية لأهالي القطاع، وتسريع جهود الإعمار، وغيرها من التعهّدات التي ماطلت تل أبيب في تنفيذها. أمّا الاتفاق الأخير، والذي أنهى جولة «وحدة الساحات»، فقد جاء مقتضَباً وفضفاضاً، ولم يحمل توقيع «الجهاد» أو دولة الاحتلال، كما خلا من أيّ ضمانات أو جدول زمني أو حتى تعهّد إسرائيلي، باستثناء التزام مصر ببذل جهودها للإفراج عن الأسيرَين خليل عواودة وبسام السعدي، القيادي في «الجهاد»، والذي اعتُقل وسُحل وضُرب من مخيّم جنين، في ما مثّل شرارة المواجهة الأحدث. وعقبذاك، أرسلت القاهرة وفداً أمنياً إلى الأراضي المحتلّة وغزة في محاولة لتثبيت وقف إطلاق النار، وهو ما دأبت القاهرة على القيام به في كلّ مرّة ترْعى فيها اتّفاقاً. وتُولي مصر اهتماماً خاصاً لغزة، لا للاعتبار الأمني فقط، بل لكوْن ملفّ القطاع يوفّر مساحةً للقاهرة لِلَعب دور إقليمي، تحظى بموجبه بدعم «المجتمع الدولي»، خاصة إذا كان يراعي مصالح تل أبيب. إلّا أن مصر، التي استطاعت عقب الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي وتولّي عبد الفتاح السيسي زمام السلطة، التوصُّل إلى صيغة تفاهم مع حركة «حماس» التي تدير القطاع، لم تستخدم، خلال كلّ الوساطات التي تولّتها، أيّاً من أوراق القوة التي لديها لإلزام إسرائيل بتطبيق تعهّداتها، الأمر الذي يطرح علامات استفهام كثيرة حول جدوى أيّ وساطة يمكن أن يقودها المصريون مستقبلاً.
وفي هذا الإطار، يرى الكاتب السياسي، إبراهيم أبراش، في حديث إلى «الأخبار»، أن «كلمة الهدنة مصطلح ملتبس، خصوصاً حين تكون مصر هي الوسيط، فما معنى أن تكون هناك هدنة، طالما هناك احتلال إسرائيلي، وعمليات اغتيال في الضفة الغربية وحصار لقطاع غزة، وبالتالي كيف يمكن الحديث عن هدنة بينما الحالة العامّة هي حالة حرب؟». ويَعتبر أبراش أن «فهم إسرائيل للهدنة يقتصر على توقُّف الطرف الفلسطيني عمّا تسمّيه أعمال عنف، بينما هي لا تُلزم نفسها بأيّ هدنة، وطوال الحروب الماضية من عام 2008 حتى 2022، كانت هي مَن تخرق الاتفاقات حين تشعر بأن أمنها مهدَّد، فتقوم باغتيالات أو عمليات قصف وتشديد للحصار على القطاع، وتمنع دخول المواد الأساسية إليه». ويَعتبر أن «مصر ليست بالدولة القادرة على فرض أيّ شروط على إسرائيل أو إجبارها على الالتزام بتعهّداتها، كما أن تدخُّلها يجري لكونها الأقرب إلى قطاع غزة، الذي يشكّل والحال هذه جزءاً من أمنها القومي، وأيّ انفجار فيه سيؤثّر عليها، فضلاً عن العلاقات التاريخية التي تربطها مع القطاع الذي كان في السابق تحت سيادتها المصرية، وتفويض المجتمع الدولي إيّاها لعب دور تسكين الوضعَين السياسي والأمني، في مقابل تكليفه قطر بتوفير الدعم المالي، ناهيك عن أن الوساطة المصرية تأتي أحياناً بطلب إسرائيلي، وأحياناً أخرى بطلب من الفصائل الفلسطينية». ويخلص أبراش، بناءً على ما تَقدّم، إلى أن «التهدئة السارية حالياً ربّما لن تستمرّ لوقت طويل».