وبينما استمرّ الصمت على ضفّة «العدالة والتنمية» تجاه ما صدر أخيراً من مواقف رسمية تركية حول العلاقة مع سوريا، وما أعقبه من ردود فعل غاضبة في الشمال السوري، فقد انتقل النقاش على جبهة المعارضة إلى التساؤل عمّا إذا كان هذا التطوّر سيشقّ صفوفها، وفق ما طرحته صحيفة «جمهوريات». ورأى الكاتب في الصحيفة، محمد علي غولر، أن احتمال التطبيع مع سوريا «يبدو أنه أزعج حتى رئيس حزب المستقبل، أحمد داوود أوغلو - وهو أحد أركان «لقاء الستّة» - الذي اعتبر أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ضغط على إردوغان للاعتراف بنظام الأسد». وأضاف غولر أن داوود أوغلو، بموقفه هذا، «يتقاطع مع مواقف الولايات المتحدة وإسرائيل»، معتبراً أن تغريدته «غير ذات معنى، لأن بشار الأسد يأخذ مشروعيته وقد أخذها من شعبه، بينما فشل مشروع داوود أوغلو في إقامة بناء سياسي بإشراف الولايات المتحدة تحت مسمّى سياسة صفر مشكلات». وأشار إلى أن «سياسة إردوغان - داوود أوغلو في تولّي تركيا زعامة «دول الإخوان» في سوريا وفلسطين ومصر وليبيا وتونس، قد انهارت منذ زمن طويل، فيما يعمل إردوغان الآن على التعويض بسياسة الانفتاح على سوريا من أجل بقائه في السلطة». ولفت إلى أن «سياسة حزب الشعب الجمهوري - الذي هو أيضاً أحد أركان «الستّة» - تجاه سوريا تتعارض مع مواقف رئيس حزب المستقبل، بل إن زعيم «الشعب» كمال كيليتشدار أوغلو يردّد دائماً أنه «عندما نصل إلى السلطة فإن مهمّتنا الأولى ستكون التطبيع مع سوريا»، فكيف يمكن تحقيق هذا الهدف بالتعاون مع داوود أوغلو؟».
مسار الانفتاح على سوريا لا يزال مُحاطاً بالكثير من الشكوك
لكن مسار الانفتاح على سوريا لا يزال مُحاطاً بالكثير من الشكوك، خصوصاً أن الناطق باسم وزارة الخارجية، تانجو بيلغيتش، عقّب على تصريحات داوود أوغلو بأن «تركيا ستُواصل تنسيقها وتشاورها مع المعارضة السورية»، فيما قال وزير الداخلية، سليمان صويلو، إن بلاده «لن تترك أبداً الناس الذين يعانون تحت (حُكم) النظام السوري وحدهم، كما أن بعض الأقلام الموالية رأت في موقف وزير الخارجية «استسلاماً للنظام السوري». وفي هذا مؤشّر إلى أن المسار المذكور لم تتبلور إزاءه ردّة فعل واضحة بعد، لا لدى السلطة ولا لدى المعارضة، وفق ما رأى غولر. لكن النائب مصطفى بلباي شدّد، في صحيفة «جمهوريات»، على أن «مصالح تركيا والعلاقات الجيّدة مع الجيران يجب أن تكون أوّلاً، وهذا كان دأب الرئيس السابق أحمد نجدت سيزير»، مستدرِكاً بأن «ما جرى بعد خطوة تشاووش أوغلو من احتجاجات في شمالي سوريا، يُظهر أن جميع أنواع الألاعيب سوف تمارَس من أجل إراقة الدماء هناك». وأضاف أن «الذين انشغلوا بتاريخ الدولة العثمانية قالوا إن أمن إسطنبول يبدأ من سراييفو، ولكن بعد سقوط سراييفو تساءلوا عمّا إذا كان يجب تغيير العاصمة إسطنبول، ونحن بدورنا نقول إن أمن تركيا يُختزل بالتالي: أمن إسطنبول يبدأ بالسلام مع جيراننا».
في المقابل، لا تزال دمشق ملتزِمة الصمت والحذر حيال الخطوة التركية، خصوصاً أن تركيز أنقرة على التعاون لمكافحة «الإرهاب الكردي» حصْراً يثير حفيظتها. صحيح أن الدولة السورية منزعجة للغاية من تعاون «قوات سوريا الديموقراطية» مع الاحتلال الأميركي، لكنّها عانت أيضاً ولا تزال من التنظيمات الإرهابية التي تقع في مناطق السيطرة التركية، ولا سيما في إدلب. وإذا كان الرهان التركي على تقديم «تنازلات» معيّنة لدمشق، مقابل دخول الجيش السوري في صدام مع الأكراد، فهذا في منتهى الخطورة؛ بالنظر إلى أن «وحدات الحماية» الكردية تظلّ جزءاً من النسيج السوري، وحوار الدولة معها لم ينقطع، وإمكانية التوصّل معها إلى قواسم مشتركة في إطار وحدة سوريا الجغرافية والاجتماعية غير مستحيلة، بل ميسّرة في حال بُذلت جهود مشتركة معقولة ومنطقية. لكن قبْل ذلك، أو بالتوازي معه، تتطلّع الدولة السورية إلى تقديم تركيا خطّة واقعية تقضي بانسحاب قوّاتها من مختلف المناطق التي تسيطر عليها، والتخلُّص بشكل أو بآخر من التنظيمات الإرهابية ذات المسمّيات المختلفة، وعندها فقط يمكن إعادة اللاجئين السوريين إلى مناطقهم الأصلية، وليس إقامة «مناطق آمنة» لهم؛ وعندها أيضاً يمكن تحديث «اتفاق أضنة» الذي لم يكن متكافئاً ولم يَعُد كافياً. وبالنتيجة، كما تحتاج تركيا إلى ضمانات أمنية إزاء أيّ تهديدات من داخل سوريا، فإن الأخيرة تحتاج إلى ضمانات مقابِلة بعدم تهديد أمنها، لا من الجيش التركي ولا من أيّ عناصر مسلّحة أخرى.