لماذا «الجهاد»؟ يجيب مصدر في الحركة بأن الضغوط التي تمارسها إسرائيل عبر الوسطاء الدوليين والإقليمين، لم تنجح، منذ عام 2018، في دفعها إلى أن تأخذ منحى «معتدلاً»، إذ ينتهج الأمين العام الحالي للحركة، زياد النخالة، موقفاً جذرياً من إدارة الصراع، «هو يريد أن يعيد المقاومة إلى سابق عهدها، بمعنى أن يحافظ على حالة الاستنزاف المستمرّ للاحتلال، وعدم السماح بأن يشعر المستوطنون بحالة استقرار، بمعزل عن كل الحسابات المحلية في غزة أو الضفة، التي تعقّد السير في هكذا توجه»، بحسب المصدر، الذي يقول أيضاً إنه «في عام 2019 اغتالت إسرائيل بهاء أبو العطا، لأنه كان يمثّل، وفق مزاعمها، ذراع أبو طارق النخالة في القطاع، التي قوّضت بشكل مستمرّ حالة الهدوء، حتى إن النخالة بذاته وُضع على رأس قائمة الاستهداف والاغتيال».
استطاعت إسرائيل، في هذه الجولة، اغتيال كل من القادة: تيسير الجعبري وخالد منصور، إلى جانب عدد من المقاومين أصحاب الرتب العسكرية الميدانية، مثل رأفت شيخ العيد، وهو مسؤول الوحدة الصاروخية في المنطقة الجنوبية، غير أن الساعات الأخيرة من يوم أمس الأحد، شهدت أداءً قتالياً مميّزاً لـ«سرايا القدس» (الذراع العسكرية لحركة «الجهاد الإسلامي») التي قصفت أكثر من 58 مستوطنة محاذية للقطاع بقرابة 200 صاروخ بشكل متزامن، بمجموع تجاوز حتى كتابة هذه السطور، هامش الـ 700 صاروخ.
شهدت الساعات الأخيرة أمس أداءً قتالياً مميّزاً لـ«سرايا القدس»
هذا الأداء يرى فيه المحلّل السياسي إسماعيل محمد، رسالةَ اقتدار وتقويض للأهداف الإسرائيلية من عملية الغدر. ويقول، في حديثه إلى «الأخبار»، إن «الجهاد الإسلامي أثبتت، طوال سنوات الصراع، قدرتها على ترميم صفوفها وإعادة بناء كوادرها البشرية من جديد، لأنها ببساطة حركة تستقطب كل الثائرين الوطنيين الذين يرَون في المقاومة الخيار المنجز الأكثر قدرة على تحقيق الأهداف الوطنية. لذا، فإن ثمة خزّاناً بشرياً هائلاً على استعداد دائم للانضمام إلى صفوف السرايا، فضلاً عن أن السرايا تدعم بشكل غير مباشر العناصر الفتحاوية المقاومة». ويذكر محمد أنه، في عام 2007، اغتالت إسرائيل خلال ليلة واحدة، نحو تسعة قادة فاعلين في «سرايا القدس»، كان أبرزهم القائد العام ماجد الحرازين، غير أنها أعادت، في أعقاب ذلك، تنظيم صفوفها وملء الشواغر في المناصب القيادية على نحو ديناميكي سريع، وبدت في معارك لاحقة كأنها لم تُمْنَ بأيّ خسائر نوعية.
وعلى رغم الخسارة الكبيرة في هذه الجولة، إلّا أن مصادر في «سرايا القدس» أكدت، لـ«الأخبار»، أن ثمّة مستويات قيادية ذات تاريخ عريق ومهارة عسكرية تؤهّلها لملء الفراغ على نحو منجز، لافتةً إلى أنه فيما لو اتّجهت الأمور إلى تهدئة في الساعات المقبلة، فإن «السرايا» لن تغلق الحساب، وستتحيّن الفرصة في وقت قريب، للبدء بجولة جديدة، لكن في التوقيت الذي تمتلك فيه زمام المبادرة، وتحقّق فيه عامل المفاجأة.