التململ الشعبي في الضفة الغربية، تزامن مع استمرار العمل العسكري المقاوِم فيها، والذي يُرجَّح أن يتصاعد مع استمرار العدوان على القطاع؛ إذ أعلنت كتيبة «سرايا القدس» في مدن الضفة ومخيماتها، الجمعة، الاستنفار الكامل، وأنها بدأت باستهداف نقاط الاحتلال على امتداد الضفة المحتلّة، في حين هدّدت فصائل المقاومة في مدينة جنين، أن كلّ المستوطنات ستكون تحت راية المقاومة، قائلة: «سيُمنع على المستوطنين التنقّل في شوارع الضفة الالتفافية».
ومع كل عدوان صهيوني على غزّة، تتّجه الأنظار إلى الضفة الغربية، نظراً إلى أهميّة الدور الذي يمكن أن تلعبه في الضغط على الاحتلال واستنزاف قواته، باعتبارها الخاصرة الأضعف لهؤلاء. ومع كل تصعيد، تسعى قوات الاحتلال إلى عزْل الساحات الفلسطينية بعضها عن بعض، لتجنّب سيناريو اندلاعها سويّة، على غرار ما جرى إبّان معركة «سيف القدس»، حين اشتعلت الضفة الغربية والداخل الفلسطيني المحتلّ بمواجهات مباشرة وعنيفة، بالتزامن مع الأداء القوي الذي أدّته المقاومة آنذاك، وهو ما رسم - في النهاية - هزيمةً واضحة لإسرائيل. لهذا، تسعى إسرائيل إلى عدم تكرار سيناريو الجولة الماضية في الجولة الحالية، على رغم أن المواجهة القائمة جاءت بتكريس هذه المعادلة، وانطلقت عقب تصاعد جرائم القتل الإسرائيلية في مخيم جنين ومدينة نابلس، وكانت شرارة انطلاقها اعتقال القيادي البارز في «الجهاد الإسلامي» بسام السعدي، الذي سيكون ملفّ اعتقاله مطروحاً في بحث أيّ تهدئة قد تحصل. وبحسب أستاذ العلوم السياسية، حسام الدجني، لـ«الأخبار»، عن أهميّة توحيد ساحات المواجهة «إذا خرجت الجماهير في الداخل والضفة والقدس بشكل موحّد وبالتزامن مع ما يجري في غزة والشتات، سيكون الأمر مختلفاً». وقال: «إذا نجحنا كشعب وقيادة في قيادة تحرّك جماهيري من هذا النوع، فإن إسرائيل ستنصاع لمطالب الفصائل، وتحديداً الجهاد الإسلامي».
تشهد الضفة المحتلّة، منذ أشهر، تصاعداً ملحوظاً في أشكال المقاومة المسلّحة، بلغ ذروته مع تنفيذ عدّة عمليات فدائية متلاحقة في الداخل الفلسطيني المحتلّ، مِن مِثل عملية إلعاد وديزنكوف، وانتشار نموذج «كتيبة جنين» إلى مدن أخرى باتت تشهد اشتباكات مسلّحة بشكل شبه يومي، من دون أن يقترن بمقاومة شعبية جماهيرية على الأرض. مناطق عدة في الضفة شهدت ولادة بذور حركة نضاليّة وجماهيرية كان يمكن أن تتّسع لو تمّ استثمارها وتوظيفها، في بيتا أو برقة، لكن غياب قيادة وطنية موحّدة، وفصائل قادرة على العمل بحريّة، حال دون ذلك، إلى جانب تهميش دور الحركة الطالبية في الجامعات، والأهمّ غياب دور منظّمة التحرير.
تتابع السلطة الفلسطينية كل الحراكات الجماهيرية على الأرض؛ وإنْ كانت تسمح ببعضها في إطار ضيّق، لكنّها تحرص على عدم خروجها عن السيطرة إلى انتفاضة شاملة. وشهدت الضفة الغربية، في السنوات الأخيرة، الكثير من الهبّات التي كان يمكن أن تتطوّر إلى انتفاضة، لكن تأثير الانقسام السياسي، وازدياد الاستفراد في قيادة منظّمة التحرير، وتَجاهُل تشكيل قيادة وطنية موحّدة على غرار الانتفاضة الأولى، وتمسُّك السلطة بكل تفاصيل الاتفاقات الموقّعة مع إسرائيل، بما فيها التنسيق الأمني ورفض خيار المواجهة، والاختلاف على شكل النضال وبرنامج نضالي واحد، كل ذلك حال دون ذلك.
منذ اللحظة الأولى لبدء العدوان على غزة، أدركت إسرائيل أهمية ساحة الضفة الغربية
ومنذ اللحظة الأولى لبدء العدوان على غزة، أدركت إسرائيل أهمية ساحة الضفة الغربية وما يمكن أن تشكّله من عبءٍ على قواتها. لذلك، قرَّرت أن تشملها في عملية «بزوغ الفجر»، فشنّت، منذ يوم الجمعة، حملة اعتقالات طاولت أكثر من 70 مواطناً، جلُّهم من قيادات «الجهاد». وقال القيادي في الحركة، خضر عدنان، لـ«الأخبار»، إن المسيرات التي خرجت، في اليومين الماضيين، نصرةً لغزة في رام الله والخليل وجنين، والاحتكاك مع الاحتلال في العديد من نقاط التماس، «هي فعلٌ مبارك، لكن المطلوب اليوم أن تأخذ النخب السياسية والدينية دورها في تحريض الجماهير وقيادتها في الشارع، وهذا ما ينطبق أيضاً على القوى الوطنية والإسلامية والفصائل». وأشار عدنان إلى ضرورة «إمساك الجيل الشاب بزمام الأمور في الشارع، وكذلك المقاوميون، على غرار ما قام به الشهيد جميل العموري خلال معركة سيف القدس»، كما أن الأمين العام لـ«الجهاد الإسلامي»، زياد النخالة، أعطى الإشارة إلى المجاهدين في الضفة المحتلّة للتحرّك. ولفت عدنان إلى أن الفعل الجماهيري شهد تراجعاً في الضفة الغربية، بسبب الملاحقة الإسرائيلية الدائمة للناشطين، إلى جانب القبضة الأمنية للأجهزة الفلسطينية واستمرار التنسيق الأمني، وبطء التحركات الفصائلية، والاعتقالات السياسية في الضفة، وتقييد الحريات وملاحقة النشطاء السياسيين والطلاب الجامعيين.