الحسكة | بعد مرور أكثر من أسبوع على انعقاد «قمّة أستانا» في طهران، وتوصُّل أطرافها إلى توافُق غير معلَن على منْح أنفسهم مهلة زمنية لتطبيق التزاماتهم، خصوصاً لجهة إخلاء طريق «M4» من مقاتلي «قسد» والفصائل المسلّحة على السواء، تُواصل تركيا تصعيدها الميداني، في ما يبدو محاولة لتظهير فشل روسيا في تنفيذ تعهّداتها بموجب «اتفاقية سوتشي» لعام 2019. وتمظهَر هذا التصعيد في سلسلة استهدافات منذ مطلع الأسبوع الجاري، امتدّت من أبو رأسين وتل تمر في ريف الحسكة الشمالي الغربي، وصولاً إلى تل رفعت ومحيطها في ريف حلب الشمالي. وأفادت مصادر ميدانية، «الأخبار»، بأن «المدفعية وراجمات الصواريخ التركية وتلك التابعة للفصائل الموالية لأنقرة، استهدفت بنحو 500 قذيفة أكثر من 55 قرية وبلدة في أرياف الحسكة وحلب والرقة، على مدار الأيام الثلاثة الماضية»، مضيفةً أن «القصف أدّى إلى استشهاد عنصر في الجيش السوري، وإصابة نحو 15 آخرين غالبيّتهم من المدنيين». وتعمَّد الأتراك توسيع دائرة القصف في اتّجاه طريق القامشلي - تل تمر، وقرية تل زيوان في ريف القامشلي، لتأكيد رفضهم تواجُد «قسد»، ليس على مقطع الطريق الدولي الرابط بين حلب والرقة فقط، بل على امتداد الشريط الحدودي من الحسكة وحتى حلب. كذلك، واصل الجيش التركي استخدام الطيران المسيّر في ملاحقة عناصر «قسد» وقياداتها، متسبّباً بمقتل 4 منهم، بينهم قيادي، في ريف الرقة، ومستهدِفاً آلية على طريق القامشلي - القحطانية، ما أدّى إلى مصرع إحدى قياديّات الصفّ الأوّل، مع أربعة عناصر آخرين. ووفقاً لما كشفته لاحقاً «القيادة المركزية الأميركية»، في تغريدة على «تويتر»، فإن «القيادية التي لَقِيت حتفها، هي سلوى يوسف، نائبة القائد العام لقسد، مظلوم عبدي»، و«التي كان لها دور مهمّ في ذروة المعارك ضدّ داعش في عام 2017». والظاهر أن واشنطن أرادت، من خلال هذه التغريدة، استرضاء «قسد»، في ظلّ إحجامها عن اتّخاذ إجراءات على الأرض لمنْع الهجوم التركي. وهو ما أكّده مجدّداً تصريح رئيس حزب «الاتحاد الديموقراطي»، صالح مسلم، لموقع «مونيتور» الأميركي، والذي قال فيه إن «واشنطن فشلت في أن تُحرّك ساكناً من أجلنا (...) والناس يروْن هذا ويشعرون بالغضب والخيانة»، متابعاً أن «الغضب سببه أيضاً، عدم ذكْر اسم تركيا، مُرتكِبة هذا الهجوم».
وعلى ما يبدو، فإن أنقرة تريد من وراء التصعيد تكثيف الضغوط على موسكو وطهران، من أجل حمْلهما على الاستعجال في مهمّة سحْب القوات الكردية من الحدود، أو القبول بقيامها بعملية عسكرية جديدة في الشمال السوري. وعبّرت عن ذلك، تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، خلال مقابلة تلفزيونية، حيث اعتبر أن «سوريا أصبحت بؤرة للتنظيمات الإرهابية، ولذا فعلى إيران وروسيا اتّخاذ موقف، وبخاصة في غرب وشرق الفرات»، لافتاً إلى أن «إرهابيّي الوحدات الكردية يواصلون هجماتهم على المدنيين وعلى بلدنا، ونقلتُ إلى بوتين ورئيسي تصميمنا على مكافحة الإرهاب». وفي الاتّجاه نفسه، أعلن المتحدّث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، أنه «من الممكن تنفيذ العملية العسكرية في شمال سوريا في أيّ وقت».
إزاء ذلك، استمرّت اللقاءات الروسية مع قيادات «قسد» في الحسكة، في محاولة للتوصّل الى آلية تضْمن إزالة كلّ الذرائع التركية لشنّ الهجوم، واستكمال خطّة انتشار الجيش السوري على الحدود، وصولاً إلى الطريق الدولي «M4». وفي هذا الإطار، أفاد مصدر مطّلع على اللقاءات، «الأخبار»، بأن «الروس طلبوا من قسد الكفّ عن منْح الذرائع المجّانية لتركيا لتنفيذ تهديداتها على الأرض»، مشيراً إلى أن «قسد ترفض الخروج باتجاه جنوب الطريق الدولي، مع الاستعداد للقتال إلى جانب الجيش السوري لصدّ الهجوم التركي»، مضيفاً أن «قادة القوات الكردية يقيّمون الخطة الروسية الخاصة بالشمال، على أنها استسلام كامل للدولة السورية». ومن هنا، بادرت «قسد» إلى تصعيد ميداني مضادّ، من خلال استهداف «قوات تحرير عفرين» التابعة لها، بستّة صواريخ، القاعدة التركية في قرية كلجبرين التابعة لمنطقة أعزاز في ريف حلب الشمالي، ما أدّى إلى مقتل جنديَّين تركيَّين وإصابة آخرين. ولَربّما أرادت «قسد»، من خلال هذا التصعيد، الدفْع نحو مواجهة مباشرة بين الجيشَين السوري والتركي، خصوصاً مع تنفيذها القصف من مواقع قريبة من انتشار الأوّل في ريف حلب، على رغم نفْيها المستمرّ لأيّ تواجُد لقوّاتها في هذه المنطقة.
استمرّت اللقاءات الروسية مع قيادات «قسد» في الحسكة


في المقابل، تحاول تركيا التشويش على التنسيق القائم بين الجيش السوري و«قسد»، برعاية روسية، من خلال إعلان وزير خارجيتها، مولود جاويش أوغلو، «(أننا) سنقدّم الدعم السياسي لعمل النظام السوري، لإخراج إرهابيّي قسد من المنطقة»، واعتباره أنه «من الحق الطبيعي للنظام السوري أن يزيل التنظيم الإرهابي من أراضيه، لكن ليس من الصواب أن يرى المعارضة المعتدلة إرهابيين». وعلى رغم استمرار الضبابية في موقف «قسد»، يمضي الجيش السوري في استكمال خطّة انتشاره، واتّخاذ الإجراءات اللازمة لصدّ أيّ هجوم تركي على الشمال. وفي هذا السياق، أكدت القيادة العامّة للجيش والقوات المسلّحة أن «الجيش على أتمّ الاستعداد للتصدّي لأي عدوان محتمَل من قِبَل النظام التركي على أراضي البلاد».