مرّت عودة التيار الكهربائي أمس إلى منازل الاهالي من دون الكثير من التفكير في التطورات الحاصلة قرب محطة محردة الكهربائية التي استهدفها منذ أيام مسلحو «النصرة»، في ريف حماه الشمالي الغربي. إصلاح عنفة وحيدة داخل المحطة كان كافياً لإعطاء السوريين جرعة مسكّنة، تمثّلت في تقليص مدة التقنين ساعات عدة. لكنّ للمسلحين رأياً آخر، إذ لم يكن صباح بلدة محردة في ريف حماه كأي صباح آخر.
هجوم ممنهج بالقذائف والصواريخ والأسلحة الثقيلة والرشاشات، يقوده مسلحو ريف حماه الشمالي من جميع الاتجاهات، أوقع أعداداً من الجرحى في صفوف المدنيين، إضافة إلى جرحى في صفوف الجيش السوري. الخبر ليس جديداً على الأهالي، إذ يقول مصدر أهلي لـ«الأخبار» إنّ قرب البلدة من مورك التي تعتبر أهم معقل للمسلحين في ريف المدينة، جعل من أيام سكانها «جحيماً دائماً»، في ظل تضييق الخناق على الباقين من أهلها المتأهبين للأسوأ. ويضيف المصدر أن «الطريقين الباقيين في وجه سكان محردة هما اللذان يربطانها ببلدتي السقيلبية وسلحب غرباً.
وللبلدتان معاناتهما أيضاً، ولا سيما بحكم قرب السقيلبية من قلعة المضيق التي تعتبر خط تماس بين الجيش السوري واللجان الشعبية من جهة، ومسلحو «النصرة» من جهة أخرى. وتمثّل محردة مع السقيلبية وبلدة سلحب القريبة مثلث الأمان الوحيد للأهالي في محيط مسلّح بالكامل، يتكون من نقاط تمركز خطرة للمسلحين، أبرزها مورك، وحلفايا وطيبة الإمام شرقاً. غير أن المثلث الآمن غير كاف لرفع معاناة سكان محردة الذين يعيشون حياة خالية من الماء والكهرباء، وسط حصار مطبق لا تتسع بلدتا السقيلبية وسلحب لتخفيض حدته، في ظل معاناة سكانهما من استهداف دائم بالقذائف. ويقود مسلحو بلدة حلفايا الهجوم الأساسي على البلدة، ما أدى إلى حركة نزوح واسعة. معركة بكل المقاييس، تدخل سلاح الجو في حسمها، باستهداف تجمعات المسلحين في محيط محردة، قبل تضييق الطوق المسلح حولها.
اندلعت معركة في القابون بين «الجيش الحر» و«جبهة النصرة»

يأتي ذلك في ظل فشل محاولات تقدم الجيش إلى وسط بلدة مورك، وانتقاله إلى صد هجوم المسلحين على النقاط العسكرية في المحور الغربي للبلدة المشتعلة، وذلك بعد أيام قليلة من تقدّم طفيف حقّقه الجيش جنوب شرق مورك، بهدف إطباق الحصار على البلدة التي تبعد عن مركز مدينة حماه 30 كلم شمالاً.

اشتباكات المعارضة في القابون

على صعيد آخر، تتمدّد رقعة المواجهات بين المسلّحين في مناطق متعدّدة من ريف دمشق. ففيما تستمر المواجهات بين «الدولة الإسلامية» و«جيش الإسلام» في محيط مدينة دوما وفي القرى المجاورة لها في الغوطة الشرقية للعاصمة، اندلعت أمس معركة مشابهة في القابون، ولكن هذه المرّة بين «الجيش الحر» و«جبهة النصرة» على خلفية تباين المواقف من التسوية المزمع عقدها في المنطقة. وأدت تلك المعركة إلى مقتل أحد مسلّحي «الجيش الحر». ويقول مصدر مقرّب من «الحر» لـ«الأخبار»: «نتيجة لتوافر العديد من الضمانات لنجاح هذه التسوية، اضطرت جبهة النصرة إلى محاولة إفشالها بالسلاح، بينما كانت تقوم بذلك سابقاً بطرق أخرى».
وعن معارك الغوطة الشرقية، قال مصدر ميداني لـ«الأخبار»: «نظرياً جيش الإسلام بات مسيطراً على الوضع ككل، فقد تمكّن من تأمين محيط دوما بالكامل»، ولكن «داعش» بمقدوره دوماً الإتيان بما هو جديد: «التفوّق في التفخيخ، ووفرة المعلومات اللوجستية لديه، إضافة إلى عنصر المباغتة مقترناً بالنزعة الانتحارية لدى عناصره. كل هذه الأمور تشكّل ذعراً حقيقياً لدى قادة جيش الإسلام»، الذين كانوا يمتازون بوضع آمن نسبياً قبيل ظهور خطر «الدولة» على نحو مفاجئ.