في وقت حاول فيه وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، الفصْل، أكثر من مرّة، بين مسارَي عودة سوريا إلى الجامعة العربية، وعودة العلاقات بين سوريا والدول العربية، أبدى وزير الشؤون الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، الذي زار دمشق والتقى الرئيس السوري بشار الأسد، وعقد سلسلة من المباحثات مع مسؤولين سوريين بينهم المقداد، تفاؤلاً يمكن اعتباره واضحاً حيال إمكانية خرق المشهد السياسي القائم في الوقت الحالي، وفكّ تجميد مقعد سوريا في الجامعة.الرئاسة السورية، وفي بيان لها، ذكرت أن الوزير الجزائري سلّم الأسد رسالة من نظيره عبد المجيد تبون، تتعلّق بالعلاقات الثنائية واستمرار التشاور والتنسيق بين البلدَين إزاء التحدّيات التي تواجه المنطقة، إضافة إلى التحضيرات الجارية لعقد القمّة العربية في الجزائر، موضحةً أنه جرى خلال اللقاء تبادُل بعض المقترحات والصِّيغ لتحسين العمل العربي المشترك، سواءً على المستوى الثنائي أو على مستوى الجامعة العربية، ولـ«مواجهة القضايا والتحدّيات التي تواجه العرب»، من دون أيّ تفاصيل إضافية حول فحوى الرسالة.
تحدّث لعمامرة عن الدور الكبير والبارز الذي يجب أن تلعبه دمشق في العالم العربي (سانا)

لعمامرة، الذي أعلن أنه تلقّى ردّاً خطّياً على رسالة تبون لم يفصح عن فحواه، انتقى خلال مؤتمر صحافي مشترك مع المقداد كلماته بعناية فائقة، فلم يحسم أمر عودة سوريا إلى مقعدها على رغم تفاؤله الظاهر حيال الأمر، بيد أنه حسم أمر الدور السوري الكبير والبارز الذي يجب أن تلعبه دمشق في العالم العربي، والذي بدأت فعلاً لعبه، بعد أن فتحت معظم العواصم العربية أبوابها أمام إعادة العلاقات معها. وخلال المؤتمر الصحافي المشترك، بدا التناغم واضحاً بين الوزيرَين، اللذين أشارا إلى التَّغيّرات التي يشهدها العالم، وضرورة الاستعداد لها عبر عمل عربي مشترك، سواءً في إطار الجامعة العربية، أو حتى عبر العلاقات الثنائية بين البلدان العربية، وهو الأمر الذي شدّد عليه المقداد خلال ردّه على أسئلة الصحافيين، معتبراً أن «استخدام الأدوات القديمة لم يَعُد مجدِياً لمواجهة هذه التحدّيات»، لافتاً إلى أن دمشق تتفهّم الضغوط التي تمارَس على بعض الدول، في إشارة مباشرة إلى المحاولات الأميركية العلنية لعرقلة عودة العلاقات السورية مع البلدان العربية.
زيارة رأس الهرم الدبلوماسي في الجزائر لدمشق، والتي حرصت الخارجية الجزائرية على وصْفها القائمَ بها بأنه «مبعوث خاص لرئيس الجمهورية»، جاءت بعد أكثر من شهر على محاولات جزائرية واضحة لترسيخ صورة قوّة علاقتها - التي لم تنقطع يوماً خلال السنوات الماضية - مع دمشق. وتجلّى ذلك بوضوح في دعوة المقداد إلى المشاركة في احتفالات ذكرى استقلال الجزائر قبل نحو أسبوعَين، حيث عقد سلسلة لقاءات مع مسؤولين جزائريين على رأسهم تبون، الأمر الذي ساهم على ما يبدو في رسم خطّة جزائرية واضحة المعالم حول سُبُل تقريب وجهات النظر وتحقيق خرق للوضع السياسي القائم. وخَطَت سوريا والجزائر، خلال الأيام الفائتة، خطوات واسعة على طريق تنسيق العمل في مجالات عدّة، من بينها المجال الاقتصادي، حيث تمّت إعادة إحياء «مجلس الأعمال السوري - الجزائري المشترك»، تمهيداً لتوسيع النشاط التجاري والصناعي، وفتْح الباب أمام الشركات الجزائرية للمشاركة في عمليات إعادة الإعمار، وإعادة تأهيل قطاعات في البنى التحتية تعرّضت للدمار في سوريا، بالإضافة إلى إفساح المجال أمام بضائع سورية عديدة لدخول الجزائر. وكانت شهدت العلاقات الاقتصادية السورية - الجزائرية نموّاً كبيراً قبيل اندلاع الحرب في سوريا، حيث دخلت الجزائر قائمة أكثر البلدان التي تستقبل بضائع سوريّة متنوّعة على رأسها الأدوية، في وقت كانت تستورد فيه سوريا من الجزائر الغاز وبعض المعادن، بالإضافة إلى إقامة مشاريع بحثية وزراعية وتعليمية عديدة مشتركة، تَوقّف معظمها جرّاء الحرب، ويجري في الوقت الحالي العمل على إعادة إحيائها.
خطت سوريا والجزائر خلال الأيام الماضية خطوات واسعة على طريق تعزيز علاقاتهما


وتأتي الجهود الجزائرية لإعادة دمشق إلى مقعدها في الجامعة العربية، بشكل متواز مع جهود عربية أخرى في الاتّجاه نفسه، حيث تَلعب الإمارات وسلطنة عمان دوراً في هذا السياق، في وقت تتصدّر فيه قطر الموقف المعارض لهذه العودة، وتقف السعودية منها موقفاً حذراً، مُحاوِلةً ربْطها بمجموعة من الإجراءات، ومن بينها تقليص الدور الإيراني في سوريا. وبينما تصرّ دمشق على عدم التدخُّل في شؤونها الداخلية، يبدو الموقف السعودي معرّضاً للتغيير، وفق مؤشّرات عديدة من بينها جهود روسيا التي تتمتّع بعلاقات اقتصادية وسياسية متينة مع السعودية، لإذابة الجليد بين المملكة وسوريا، وهي الجهود نفسها التي بدأها وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الذي زار مصر قبل يومين، وألقى كلمة أمام مندوبي الدول العربية. في الوقت الحالي، لا تزال الجامعة، على لسان مسؤوليها، ترى أنه لا يوجد توافق فعلي على عودة دمشق، الأمر الذي يعني أن الجهود الجزائرية والإماراتية وحتى الروسية في هذا السياق لا تزال في بدايتها، وهي النقطة التي يبدو أن دمشق ترتكز عليها خلال تصريحاتها التي تفصِل بين العلاقات العربية ومقعدها في الجامعة، والذي ترى رجوعها إليه شكلياً. رغم ذلك، يمكن النظر إلى الرغبة الجزائرية الواضحة في إشراك سوريا في القمّة، على أنها مؤشّر إلى تقارب كبير في وجهات النظر.