الخرطوم | مستخدماً مفردات أوضح ممّا جاء على لسان رئيس «مجلس السيادة»، عبد الفتاح البرهان، من اعتزام الجيش على الانسحاب من العملية السياسية، أعلن نائب رئيس المجلس، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في بيان، تَرْك أمر الحُكم للمدنيين، وتفرّغ القوات المسلّحة لأداء مهامّها الوطنية المنصوص عليها في الدستور، داعياً القوى السياسية إلى الإسراع في تشكيل مؤسسات الحكم الانتقالي، ومؤكداً عدم التمسُّك بسلطة تؤدّي إلى «إراقة دماء الشعب والعصْف باستقرار السودان». وفيما قامت فكرة تشكيل قوات «الدعم السريع» كقوّة قبليّة رادعة لمحاربة القبائل المتمرّدة في إقليم دارفور، إلّا أن قائدها رأى أن انتشار الصراعات القبليّة على امتداد البلاد، سيقودها إلى الانهيار، «وهو ما لم نكن جزءاً منه، ولن نصمت عن كلّ ما يهدّد البلاد»، مشيراً - في خطابه الذي يبدو أنّه موجّه إلى الخارج أكثر منه إلى الداخل - إلى أنه يراقب ويعلم في شأن «المخطّطات الداخلية والخارجية التي تتربّص بالبلاد». وفي إشاره واضحة إلى أن قوات «الدعم السريع» تعمل في خط موازٍ للقوات المسلّحة، أكد قائدها العمل مع الجيش السوداني لإصلاح المؤسستَين العسكرية والأمنية، وتنفيذ بند الترتيبات الأمنية، وفقاً لما نصّ عليه اتفاق جوبا، وصولاً إلى جيش واحد يحافظ على أمن البلاد وسيادتها. بيدَ أن «حميدتي» لم يُشِر إلى أن قوات «الدعم السريع» ستُدمج في الجيش، أو أنها ستكون قوّة موازية له. ويبدو أن نائب رئيس «مجلس السيادة» الذي عاد إلى الخرطوم قبل أسبوع بعدما قضى في دارفور نحو ثلاثة أسابيع برفقة قادة الحركات المسلّحة الموقِّعة على اتفاق جوبا للسلام بغية إجراء مصالحات قبليّة مع العشائر المتحاربة في دارفور، فوجئ بقرارات البرهان.
وصبيحة إعلان البيان، رجع قائد «الدعم السريع» إلى دارفور مرّة أخرى، حيث أعلن، في وقت سابق، عدم عودته إلى الخرطوم، إلى أن يعود السلام إلى دارفور، وأنه في سبيل تحقيق تلك الغاية، سيمكث في الإقليم ثلاثة أشهر إذا استدعى الأمر. لكن يبدو أن هناك أمراً آخر استدعى حضوره إلى الخرطوم قبل اكتمال الأشهر الثلاثة. ويتّضح، بالنظر إلى ما بين سطور بيان دقلو، وجود خلافات بينه وبين البرهان، ولا سيما أن البيان يُعدّ أوّل تعليق رسمي للرّجل على قرارات رئيس «السيادي»، على الرغم من مرور أكثر من ثلاثة أسابيع على صدورها.
في الموازاة، يبدو أن الحركات المسلّحة وجدت في تمسُّكها بعلاقات جيّده مع قائد «الدعم السريع»، ضمانةً لاحتفاظها بالصلاحيات والامتيازات التي منحها إيّاها اتفاق جوبا، وخاصّة بعدما نفض البرهان يده من الحوار السياسي للجنة الثلاثية برعاية الأمم المتحدة. مع هذا، يستبعد مراقبون تكوين حلفٍ سياسي جديد يجمع «حميدتي» والحركات المسلّحة، ويرَون أن قائد «الدعم السريع» يريد استخدام الحركات المسلّحة كورقة ضغط على الحكومة المركزية. وبحسب رأي المحلّل السياسي، أمير بابكر، فإن «حميدتي» يعلم أنه أمام ضغوط دولية وإقليمية تصبّ جميعها في اتجاه تشكيل جيش واحد، لذلك «فهو يعلم أن مصير قواته قد يكون إلى زوال». ولعلّ إشارة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، كانت الأكثر وضوحاً، إذ أكد أنه لا مكان لأيّ ميليشيات في المنطقة. وأشار بابكر، في حديثه إلى «الأخبار»، إلى أن «حميدتي» يدرك أن قواته المكوّنة بواسطة قانون تمّت إجازته في البرلمان إبّان عهد الرئيس عمر البشير، سيحتفظ بها إلى حين انتخاب برلمان جديد، وأن دمجها لتحقيق إصلاح المؤسّسة العسكرية كأحد مطالب الانتفاضة لن يتمّ إلّا عبر قانون يصدر عن البرلمان أيضاً. لذلك، فهو يسعى إلى خلْق أرضية له، وسط الإدارات الأهلية في مناطق نفوذه في دارفور والشرق ومناطق الثقل الانتخابي لضمان كتلة برلمانية تصوّت لمصلحة بقاء قوّاته في الفترة التي تعقب الفترة الانتقالية. ووصف بابكر بيان «حميدتي» بأنه يحمل الكثير من العبارات المكرّرة، وخاصّة لدى مخاطبته القوى السياسية، قائلاً: «حديث حميدتي فيه الكثير من الخدعة وتوريط للقوى السياسية وتشويه لها أمام الرأي العام».
أكد قائد «الدعم السريع» العمل مع الجيش لإصلاح المؤسستَين العسكرية والأمنية


من جهتها، رأت «قوى الحرية والتغيير» أنّ بيان نائب رئيس «مجلس السيادة»، امتداد لخطوات «تراجع السلطة الانقلابية التي نتجت من بسالة الشعب وتمسّكه بقضاياه العادلة». وقالت، في بيان، إن بيان «حميدتي» حوى «إقراراً إيجابياً ببعض مطالب الحركة الجماهيرية، أهمها تسليم السلطة إلى المدنيين، وخروج المؤسسة العسكرية كليّاً من العملية السياسية». وبحسب بيان «الحرية والتغيير»، فإن «تأسيس سلطة مدنية ديموقراطية يتطلّب وحدة قوى الثورة»، مشيرةً إلى أنها بصدد طرح مشروع إعلان دستوري لكل القوى السياسية الديموقراطية «يستند إلى ما أنتجته قوى الثورة من مواثيق، بما يضمن وضع البلاد على طريق التحول الديموقراطي»، وأن يكون «انقلاب الـ 25 من أكتوبر، هو آخر الانقلابات العسكرية».