في الوقت الذي تتذرّع فيه سلطة رام الله بأزماتها المالية في الخصْم من رواتب الموظفين، وتعطيل صرف مستحقّات فقراء الشؤون الاجتماعية لأكثر من عامٍ، تُواصل حكومة محمد اشتية مراكمة المزيد من ملفّات الفساد في رصيدها؛ إذ ظَهرت إلى العلن، أوّل من أمس، تفاصيل فضيحة «وظائف البدل» بين وزراء الحكومة، حيث وظّف وزير الحُكم المحلي، مجدي الصالح، ابنة وزير الأشغال، محمد زيارة، بدرجة «مدير C»، بالتزامن مع قبول الأخير توظيف ابنة الأوّل في وزارته. أصداء الفضيحة تجاوزت حدود مواقع التواصل الاجتماعي إلى الإعلام المحلي، وأمْست حديث الشارع في غزة والضفة المحتلة، ما دفع اشتية إلى محاولة امتصاص الغضب الشعبي، عبر منشور على «فيسبوك» وعد فيه بأن «أيّ تعيينات لم تخضع للقوانين والأنظمة المعمول بها في ديوان الموظفين ستَجري مراجعتها»، مضيفاً أنه «إذا لم تُراعَ معايير النزاهة والشفافية في الوظائف، فسنَعتبرها تعيينات غير قانونية يتمّ وقفها». بدوره، برّأ توفيق الطيراوي، وهو عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح»، حركته من فساد الوزراء، قائلاً في تصريحات صحافية إن «أيّ مخالفة يقوم بها الوزراء نحن في فتح ضدّها، وهذه المخالفات يجب أن تذهب إلى هيئة مكافحة الفساد (...)»، متابعاً أنه «لا يجوز أن نتحمّل أخطاء الوزراء أو أخطاء الحكومة سواءً السابقة أو الحالية»، و«أننا تحمّلنا بما فيه الكفاية ونحن الآن سنواجه أيّ خلل أو فساد أو أخطاء عند أيّ وزير كان». وبناءً عليه، قرّرت «هيئة مكافحة الفساد» بدء تحقيق في «التبادل الوظيفي» الذي يُشتبه في أنه تمّ خارج إطار القانون.
ادّعى الصالح أن تعيين ابنة زيارة مردّه إلى امتلاكها «الخبرة والكفاءة»

في المقابل، ادّعى الصالح أن تعيين ابنة زيارة مردّه إلى امتلاكها «الخبرة والكفاءة»، مشيراً إلى أن «وحدة إدارة المشاريع في قطاع غزة بحاجة إلى كفاءات، وهذه الوحدة تتبع الوزارة في الضفة وهي مَن تُعيّن الموظفين». وعن الآلية التي جرى من خلالها اختيارها، أوضح أن «التعيين يجري من خلال المقابلة أو الاستهداف، لجنة المقابلات لا تعمل في غزة، لذلك تمّ الاختيار من خلال الاستهداف». أمّا زيارة فبَرّر تعيين ابنة وزير الحُكم المحلي لديه، بالقول: «ابنة الوزير مجدي الصالح ليست موظفة، ولكن تقدّمت بطلب توظيف في إطار قانوني، ونحن موافقون على توظيفها». لكن شبكة «الميدان» المحلّية المقرَّبة من حركة «حماس» نشرت رزمة من الوثائق التي تكشِف تعيينات أخرى أجراها وزراء حكومة اشتية، من بينها تعيين نور يوسف محمد نصار، وهي ابنة مدير الدفاع المدني سابقاً، إذ تمّ فرزها في كادر الدفاع المدني أثناء دراستها في جامعة «البولتكنك» عام 2016، وتقاضت راتباً خلال دراستها حتى تمّ تعيينها رسمياً فور تخرُّجها عام 2018، قبل أن ينقلها وزير الاتصالات، إسحاق سدر، إلى وزارة الاتصالات ويعيّنها بدرجة «مدير C»، أي أن راتبها وفقاً لـ«الميدان» أصبح بعد عامين من توظيفها 6000 شيكل (1760 دولاراً)، وهو راتب قد لا يحصل عليه الموظّفون بعد 30 سنة من العمل الحكومي. وأظهرت الوثائق، أيضاً، إقرار سدر عدّة تعيينات لأقاربه (أخته، أخت زوجته وزوجها)، إلى جانب توظيف ابنة مدير الرقابة على بند العقود والمياومة، فضلاً عن تعيين ابنة وزير العمل، نصري أبو جيش، ضمن فريق الخبراء في وزارة الاتصالات، براتب شهري قدره 4500 شيكل، قبل أن تحصل على اعتماد مالي استثنائي عام 2020.
ما نُشر تباعاً، زاد من حالة الجدل والاحتجاج، إذ أصبح «#عظام_الرقبة» الوسم الأعلى تغريداً في فلسطين خلال ساعات، وعلّق فيه المغرّدون على فضائح وظائف الأقارب، فيما تداول ناشطون تسجيلاً عبر «واتسآب» عقّب فيه القيادي جهاد جعارة، وهو أمين سرّ إقليم حركة «فتح» في إيرلندا، على الفضائح بالقول: «الوطن الذي ضحّى الآلاف لأجله أصبح مزارع خاصة لهم ولأولادهم، لأوّل مرّة نسمع عن زواج التبادل بين الأقارب، أمّا توظيف التبادل بين الوزارات، فلم نسمع به إلّا على عهدهم (...) نحن جماعة نعمل فقط لنحميهم ونحمي مصالحهم، قرفناهم وقرفنا ولادهم وقرفنا كل إشي فيهم».