غزة | لليوم الخامس على التوالي، تخلى الغزيون عن استخدام المنبه في الإفاقة لتناول سحور رمضان، فالغارات الجوية الإسرائيلية المتواصلة على أنحاء متفرقة من قطاع غزة تقطع على المواطنين نومهم وتجعلهم في يقظة دائمة طوال ساعات الليل حتى بزوغ الفجر.
الوضع نفسه يدفع بالمواطنين ليقضوا جلّ أوقاتهم منصتين إلى المذياع للتعرف إلى مواقع الاستهداف، وحجم الأضرار الناجمة عن القصف. الأوْلى من هذا كله، كان سؤال الناس في غزة عن مآل هذا التصعيد وهل سيصل إلى حد الحرب؟ وبعيداً عن تقدير النية الإسرائيلية، يبرز التساؤل عن غياب موقف واضح للفصائل الفلسطينية حيال التهدئة التي خرقها الاحتلال بوضوح منذ توقيعها في القاهرة نهاية عام 2012. رمادية الموقف بالنسبة إلى الفصائل، وحتى دوائر صنع القرار في تل أبيب، تجعل المرحلة أكثر توتراً واضطراباً، ولا سيما أن الاعتداءات لم تقتصر على غزة. فالضفة ومعها القدس المحتلة تدفعان ثمناً باهظاً إثر الحملة العسكرية التي يقودها جيش الاحتلال، والحملة الانتقامية على أيدي المستوطنين. يبدو جلياً أن الحالة بتعقيداتها تفرض على أكبر الفصائل الفلسطينية (حماس والجهاد الإسلامي) ممارسة سياسة ضبط النفس حيال التصعيد في غزة، لكنّ الحركتين شجعتا على إشعال جذوة انتفاضة ثالثة في مدن وقرى الضفة المحتلة!

مصدر في
«القسّام» يكشف عن تبلّغهم قراراً بالرد على التوغّلات البرية

ثمة معطى يشير إلى أن الظروف الإقليمية المحيطة، التي دخلت «حماس» خصوصاً في ذروتها، لا تساعد غزة على الولوج في حالة حرب يصعب التنبّؤ بنتائجها في ظل رفع الإسرائيلي الشعار عالياً بإسقاط «حماس» وتدمير معاقل المقاومة، وفي المقابل تهديد الأخيرة بوضع جميع سكان إسرائيل تحت مرمى الصواريخ، كما تحدث القيادي فيها محمود الزهار قبل أسابيع.
أما «الجهاد الإسلامي» فترى أن لديها تقديرات خاصة في التعامل مع التصعيد في غزة والضفة، لكنها أكدت أنها سترد على الاحتلال في الوقت المناسب. ويرفض مسؤول المكتب الإعلامي للحركة، داوود شهاب، أن يقاس ردّ فعل «الجهاد» بالإعلان عن إطلاق صواريخ فقط، قائلاً: «ليس معنى أننا لا نعلن المسؤولية عن الصواريخ هو أن «الجهاد الإسلامي» غائبة عن ساحة الفعل... نحن في قلب الفعل الفلسطيني والتجارب تدل على أن الحركة تفعل واجبها في الوقت المناسب». وذكّر شهاب في حديثه إلى «الأخبار» بأن المقاومة في كل من الضفة والقدس وغزة هي مقاومة واحدة، «ولن نسمح بعزل غزة عن الضفة أو تجزئة النضال الفلسطيني»، مشدداً على أن حركته وذراعها العسكرية، سرايا القدس، سيكون لها موقف عملي في اللحظة الحاسمة، وفق تعبيره.
على صعيد التبنّي الرسمي للصواريخ المنطلقة من غزة، جاء أول إعلان رسمي عبر كتائب «أبو علي مصطفى»، الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أمس، حينما أعلنت مسؤوليتها عن استهداف مواقع وبلدات إسرائيلية محاذية لقطاع غزة بـ12 صاروخاً. وقالت الكتائب في بيانٍ صحافي إن ردودها في إطار «مواصلة المقاومة والتصدي للانتهاكات الإسرائيلية». وكان الاحتلال قد أعلن أن 4 صواريخ أطلقت صباح أمس من غزة، تجاه بلدة سديروت، أدت إلى إصابة منزلين وسيارة.
في غضون ذلك، أفصح مصدر عسكري بارز في كتائب القسام، الذراع المسلحة لحركة «حماس»، عن أنهم لا ينوون حالياً الدخول في حرب ضد الاحتلال، لكنه أكد في الوقت نفسه أن لديهم تعليمات مفادها «ألا يتهاونوا مع أي خرق بري على تخوم غزة أو عمل يهدد أمن المواطنين الفلسطينيين». وقال المصدر العسكري، الذي رفض ذكر اسمه، لـ«الأخبار»: «القرار العسكري حتى اللحظة هو الرد على التوغلات في الحدود، لكن دون فتح النار على مستوطنات غلاف غزة، بمعنى أن يكون الرد محدوداً، مع ضرورة البقاء على الاستنفار التام». وعلّل موقف الكتائب بالقول: «المرحلة صعبة ومعقدة، والظروف المحيطة لن تخدمنا في حالة وقوع الحرب، لكننا أعددنا العدة وأعلنا الاستنفار منذ وقت إلى حدود الدرجة الثالثة، كذلك فإن جميع عناصرنا جاهزون للمواجهة»، معيداً التهديد بأن الحرب المقبلة «ستصبح فيها معظم الأراضي المحتلة تحت مرمى الصواريخ».
هذا على مستوى غزة، أما في الضفة فحملت «حماس» اللواء عالياً برفع مستوى تهديدها المستوطنين الإسرائيليين بـ«القتل والانتقام»، إثر استشهاد طفل على أيدي مستوطنين إسرائيليين بعد اختطافه ثم حرق جثته.
في المجمل، يبدو أن فصائل المقاومة في غزة تدرس خياراتها إزاء التعاطي مع عدوان واسع قد يكلفها الكثير، على ضوء انكشاف ظهرها في الناحية المصرية، خصوصاً بعد تصريحات مصدر مصري رفيع لصحيفة «يديعوت أحرونوت» بأن «التصعيد في غزة شأن داخلي بين الفلسطينيين وإسرائيل»، إضافة إلى المتغيرات الإقليمية المحيطة وانشغال العالم بها. على طرف مقابل، تحسب تل أبيب أكثر من حساب لخطوات التنظيمات السلفية الجهادية التي بدأت بالبروز في عمليات إطلاق الصواريخ الأخيرة، فضلاً عن مدى تهيئة الجبهة الداخلية في إسرائيل لتحمّل حرب مع «حماس».
هنا، كشف معلق الشؤون العسكرية في صحيفة «هآرتس»، عاموس هارئيل، أن قيادة الجيش الإسرائيلي قدمت إلى المستوى السياسي في تل أبيب ثلاثة خيارات للعمل ضد «حماس» في غزة، «تشمل قصف مؤسسات ومقار القيادة مع الحرص على أن تصدر الطائرات المهاجمة ضجيجاً هائلاً يزلزل القطاع، لكن من دون أن تؤدي الهجمات إلى خسائر في الأرواح». في الخيار الثاني، يشير هارئيل إلى قصف معامل إنتاج السلاح والصواريخ ومخازنها، في حين يتضمن الخيار الثالث «تنفيذ عمليات اغتيال واسعة ضد قيادات وناشطين في حركات المقاومة»، مع الإشارة إلى أن اختيار الحكومة الإسرائيلية أياً من الخيارين الثاني أو الثالث سيدفع الأمور نحو تصعيد متواصل، لذا بدا أن الاحتلال اقتصر في المرحلة الحالية على الخيار الأول.