فيما علت الأصوات المحذرة من التقسيم، وسط هجوم «جهاديي» «الدولة الإسلامية» وسيطرتهم على مناطق واسعة من بلاد الرافدين، خرج صوت رئيس كردستان العراق مسعود البرزاني، ليعلن رغبته في تنظيم استفتاء على استقلال الإقليم في غضون بضعة أشهر، معتبراً أن العراق «مقسّم بالفعل».
كلام البرزاني ليس بجديد في هذا المجال، فلطالما حلم الأكراد ببلد مستقل وسعوا إلى ذلك على مدى أكثر من قرن. ولكن تحقيق هذا الحلم كان صعباً وشبه مستحيل طوال الحقب والحكومات المتعاقبة في تاريخ العراق الحديث. هذه المرة، مع تراجع سيطرة الحكومة المركزية في بغداد على البلاد، بات بإمكان الأكراد أن يدفعوا بقوة أكبر نحو إقامة دولة كردية مستقلة.
ورغم الأصوات المعترضة على إعلان البرزاني، التي بدأت تخرج من الدول المجاورة كتركيا وإيران، إلا أن المستشار الإعلامي لرئيس إقليم كردستان، كفاح سنجاري، يؤكد لـ«الأخبار» أن «العضو الجديد في الأمم المتحدة على الأبواب».
«نتمنى أن يكون دخولنا بوابة الأمم المتحدة سلساً، بالتعاون مع شركائنا في الأرض من العراقيين ومن جيراننا على الحدود، وخاصة أصدقاءنا الأتراك والإيرانيين»، يقول سنجاري، مشيراً إلى «أننا أثبتنا للجميع أن مشروعنا الحضاري والإنساني، خلال أكثر من عشرين عاماً، عامل إيجابي في تعامله مع الجميع».
وعن كيفية التعامل مع الأصوات المعترضة، يوضح سنجاري أنه «ليس هناك إجماع مطلق على أي أمر، ودائماً هناك مؤيدون ومعارضون». ويضيف: «لدينا شعور بأن كثيرين هم من يقفون معنا»، معرباً في الوقت ذاته عن اعتقاده، «بأن من يعترض أيضاً سيدرك، في وقت قريب حين يتعامل معنا، أننا جديرون بالاستقلال».

هناك من يعتبر
أن معوّقات كثيرة
ستقف في وجه
قيام هذه الدولة


ولكن رغم ذلك، هناك من يعتبر أن معوّقات كثيرة ستقف في وجه قيام هذه الدولة، إضافة إلى من يحذّر من أن استقلال كردستان العراق، سيؤدي إلى نتائج عكسية.
وفيما يؤكد سنجاري أن «استقلال كردستان سيؤدي إلى قيام كيانين غنيين، يتفرغان، بعيداً عن الإشكاليات، لبناء دولتيهما»، موضحاً أن «في العراق العربي إمكانات هائلة لبناء دولة عظيمة، وكذلك الأمر في كردستان، ولكن بعيداً عن لغة الحروب والعسكرة والتسليح»، إلا أن هناك بعض المراقبين الذي يحذرون من أن مخطط تقسيم العراق وإعطاء الاستقلال للمناطق الكردية، لن يجلب السلام إلى البلاد، بل سيؤدي في الواقع إلى إعطاء مزيد من القوة لتنظيم «الدولة الإسلامية».
من هؤلاء، الرئيس الفخري لـ«مجلس العلاقات الخارجية» ليسلي جيلب، الذي كتب في عام 2006 مقالاً مع السيناتور جو بايدن، مقترحاً فكرة «الفيدرالية». آنذاك مُنيت هذه المقاربة بالرفض من جميع المحللين المعنيين بالشرق الأوسط، لأنهم كانوا يتطلعون إلى عراق موحد.
وفي مقال نشره جيلب قبل أيام في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، لم يتنازل عن فكرة الفدرلة، إلا أنه يرى أنّ من الأفضل حالياً تقديم استراتيجية تعطي الأولوية لقتال الجهاديين. ويقول جيلب إن «المهمة الأكثر إلحاحاً هي منع الدولة الإسلامية من التوسع والتمدد».
وفي هذا الإطار، يشير إلى أن «الدولة الإسلامية» تشكل خطراً على الإدارة الأميركية، مضيفاً أن على الرئيس باراك أوباما أن يدعو الدول الأخرى المعرّضة للتهديد المماثل، كي تحارب هذا العدو.
وبحسب جيلب، فإن «من هذه الدول إيران وروسيا والأردن وتركيا والشيعة والأكراد في العراق، وقبل كل شيء، الزعيم السياسي صاحب القوات المسلحة الأفضل في المنطقة، أي الرئيس السوري بشار الأسد».
الاعتراضات على استقلال كردستان، تنطلق أيضاً من فكرة أن تقسيم العراق لن يؤدي إلى الحكم الذاتي والاستقرار في البلاد، بل سيوفر لـ«الدولة الإسلامية» ملاذاً، حيث يمكنها أن تُخضع السكان المحليين، والتخطيط للمزيد من الفتوحات.
وفي هذا الإطار، يشرح الكاتب أيمن التميمي، في مقال في موقع «ديلي بيست»، أن طموحات «الدولة الإسلامية»، التي تسيطر على مناطق واسعة من شمال العراق وغربه، تصل إلى أبعد من المناطق ذات الغالبية العربية السنية. فهي تطمح إلى غزو الأراضي العراقية كاملة، والتوسع في المشرق العربي، كبداية لتحقيق «الخلافة العابرة للحدود».
ويرى الكاتب أيضاً أنه «حتى بالنسبة إلى كردستان، الذي ازدهر في ظل الحكم الذاتي، فإن استقلالاً كاملاً عن العراق، ستكون له عواقب سلبية».
«فكردستان مستقلة تماماً، من دون حكومة وطنية في بغداد، ستعتمد اعتماداً كاملاً تقريباً على تركيا» بحسب ما يرى التميمي، الذي يلحظ أن «هذا الترتيب سيخلق صراعاً كردياً عبر الحدود مع المناطق الكردية في سوريا، التي تواجه عداوة واسعة مع تركيا، والتي ستعارض دولة كردية عميلة لتركية».
من هنا يرى البعض أنه ليس من المرجح أن تقدم التجزئة المحتملة على أسس طائفية أو عرقية أي حل للاختلال الوظيفي في المنطقة، إضافة إلى أنها ستولد صراعات جديدة تقودها الأيديولوجيا والنفط، وغيرها من الموارد.
الكاتب جيمي ديتمر، مثلاً، يؤكد في هذا السياق، أن هناك خشية من أن يؤدي الانفصال الكردي إلى اتساع نطاق الاقتتال الطائفي وتأجيج نيران الصراع الإقليمي.
وينقل ديتمر، في مقال على موقع «ديلي بيست»، أيضاً، عن أحد مسؤولي الأمن القومي الأميركي، قوله إن «وحدة العراق مهمة ليس فقط لهذا البلد، فتفكيكه سيؤدي إلى ارتفاع حدة الصراع على النفوذ بين الدول المجاورة، ما سيفجر مزيداً من الصراع».
كذلك يؤكد أحد المسؤولين الأتراك لديتمر، أنه منذ اللحظة التي أعلن فيها مسعود البرزاني نيته لتنظيم الاستفتاء، مارست الإدارة الأميركية الضغط على إسرائيل وتركيا، للتراجع عن إقامة دولة كردية.
ولكن رغم ذلك، يعترف ديتمر أنه «ليس من الواضح ما إذا كانت واشنطن يمكنها الاعتماد على الحكومتين الإسرائيلية والتركية لردع الأكراد عن الاستمرار في خطوتهم»، فيوضح أن «المسؤولين في كلا البلدين يريان أن الأمور تحدث بسرعة تتجاوز الإدارة الأميركية».
إضافة إلى ذلك، يحذّر جايمي ديتمر من أنه إذا «قرر 6 ملايين كردي في العراق الانفصال، فإنّ من المرجح أن يعقب ذلك صراع على منطقة كركوك الغنية بالنفط، التي يعتبرها الأكراد عاصمتهم التاريخية». فقوات البشمركة الكردية تسيطر حالياً على كركوك، وتتعهّد أنها ستحافظ على سيطرتها حتى يتمكن أهالي المدينة من التصويت على الانضمام إلى كردستان، وفق ما يضيف ديتمر.
ولكن مع ذلك يبقى السؤال: هل يمكن أن يتحقق الاستقلال؟
يوضح الكاتب في صحيفة «واشنطن بوست» آدام تايلور أن حكومة بغداد قد عارضت الاستفتاء جهاراً. ويشير في هذا الإطار، إلى أن أحد مستشاري رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي قال إن «الحكومة العراقية لا تقبل بأي شيء خارج نطاق الدستور، ما يمكن أن يصوت عليه الأكراد».
ويضيف الكاتب أن الغالبية العظمى من العراقيين من غير الأكراد، يعارضون هذا الاستفتاء.
كذلك، يرى تايلور أن الحكومة التركية أبدت اعتراضاً على استقلال كردستان انطلاقاً من خوفها من أن تفكر الأقلية الكردية الموجودة فيها في الأمر ذاته.
من جهة أخرى، «ليس كل الأكراد يمثلون جبهة موحدة. فمعظم المجموعات في الدول الأخرى، وخصوصاً حزب العمال الكردستاني في تركيا، طالما دعوا إلى إقامة دولة كردية كبرى بدل الدول الانفصالية»، بحسب تايلور الذي يشكك في أن «يكون أكراد العراق موحدين كما يظهرون، خصوصاً مع انزلاق إقليمهم بين الحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني المنافس».