لكن المفارقة أن مجلس الإدارة الذي يبدو ظاهرياً مدافعاً عن «مدينة نصر» وحقوقها، هو نفسه من تَربّح من صفقة البيع التي ستتمّ قبل نهاية العام الحالي، ويسعى إلى تحقيق المزيد من الأرباح لصالح أعضائه، في وقت لا يبدو فيه أن الحكومة المصرية ستعارض إتمام الصفقة، بالنظر إلى حاجتها إلى الأموال التي ستساهم في معالجة خلل الموازنة. والمفارقة، أيضاً، أن المجلس الذي وجّه الدعوة إلى عقد جمعية عمومية طارئة لمناقشة العرض، هو عيْنه الذي عمد أعضاؤه قبل أسابيع إلى تنفيذ أربع عمليات شراء كبيرة من حمَلة الأسهم، طالت 5 ملايين سهم، وذلك قبل يوم واحد من إعلان شركة «سوديك» أنها ستقوم بالاستحواذ على شركتهم، ما يتيح لهم الاستفادة من قفزة سعر السهم في البورصة، حيث سيرتفع إلى أكثر من الضِعف مع اكتمال عملية التقييم، وبهذا يكونون قد حصّلوا مكاسب بناءً على معلومات مسبقة وصلت إليهم، بحُكم تواجدهم في مجلس الإدارة.
عرض الإماراتيون الاستحواذ على شركة مدينة نصر بنحو 4.5 مليار جنيه فقط
ويرتبط العرض المقدَّم من «سوديك» بعمليات تقييم سعري للأراضي في وقت شرائها وليس بسعرها الحالي، أي أن ثمّة فارقاً كبيراً يصل إلى أكثر من 3 أضعاف، خاصة أن تلك الأراضي زادت قيمتها مع نموّ المناطق المحيطة بها، إلى جانب ارتفاع أسعار بيع الوحدات السكنية التي سيتمّ بناؤها فيها. وبذلك، يبخس العرض الإماراتي قيمة الشركة المصرية العريقة؛ والمسألة هنا ليست في تقييم سعر المتر بنحو 500 جنيه فقط، بل مرتبطة أيضاً بأن «الدار» الإماراتية اشترت نهاية العام الماضي حصّة 85% من «سوديك» بسعر أعلى ممّا تعرضه الآن للاستحواذ على «مدينة نصر»، على رغم أن الشركتَين تمتلكان المميّزات نفسها تقريباً، مع فارق أن الأخيرة ليست عليها التزامات مالية ستنفق من أرباحها عليها كما تفعل «سوديك».
إزاء ذلك، تجري تداول مقترحات من قبيل رفع الشركة الإماراتية سعر السهم قليلاً، ربّما بنسبة 50% أو أقلّ، بحسب ما سيجري التوصّل إليه في المفاوضات المقبلة، علماً أنها تنوي شراء 1.2 مليار سهم. ومن بين السيناريوات المطروحة أيضاً، تنفيذ الصفقة بالأمر المباشر وبتعليمات عليا، خاصة مع تأكيد «الدار» أن الأرباح المسجَّلة في الفترة الأخيرة لا يمكن التعويل عليها بمفردها، وأن التقييم شمل عدّة أوجه أخرى من بينها موسمية البيع وبالتالي الأرباح، والظروف التي يمرّ بها السوق. وعلى أيّ حال، ستكون هذه الصفقة، لدى إتمامها، واحدة من أكثر صفقات الاستحواذ فساداً، في وقت تتوسّع فيه الاستثمارات الإماراتية في مجال العقارات باعتباره من القطاعات الرابحة، مع تعهّد بتقديم مستوى رفاهية مختلف عمّا تقدّمه المشاريع الحكومية.