الحسكة | في وقت يسود لديها تقدير بأن مصير العملية العسكرية التركية في الشمال السوري سيتقرّر في القمّة الثُّلاثية المنتظَرة في طهران بين رؤساء روسيا وإيران وتركيا، بدأت «قسد» رسم معالم تحالفات ميدانية جديدة بعيداً عن الأميركيين، توازياً مع رفضها، بشكل غير مباشر، مبادرة عضو مجلس الشيوخ الأميركي، ليندسي أغراهام، بخصوص المناطق المهدَّدة بالهجوم التركي. وكان الأخير اقترح انسحاباً كاملاً لـ«قسد» من مدن الشريط الحدودي، وتأسيس منطقة عازلة بعمق 5 كم، مع منح امتيازات اقتصادية لتركيا في تلك المنطقة. وتلت زيارةَ أغراهام إلى الشمال السوري، زياراتٌ أميركية عسكرية لمناطق سيطرة «قسد» في عين العرب ومنبج، حيث طُرحت فكرة عودة جزء من القواعد الأميركية إلى هذه المناطق، مع بثّ شائعات عن عودة القاعدة الأميركية إلى مقرّ «الفرقة 17» في مدينة الرقة، وهو ما نفته مصادر أهلية وعسكرية متقاطعة من داخل المدينة لـ«الأخبار». وفُهم ذلك التحرّك الأميركي على أنه محاولة لإعاقة أيّ تقارب بين «قسد» ودمشق، ولا سيما بعد توصُّل الطرفَين إلى اتفاق على نشر قوات إضافية من الجيش السوري والقوات الرديفة على خطوط التماس مع الجيش التركي، وهو ما اعتبرته واشنطن تهديداً لتحالفها مع «الإدارة الذاتية»، ومحاولة لسحب الورقة الكردية منها، خصوصاً مع تهديد «قسد» بوقف العمليات الأمنية ضدّ «داعش»، ورفع يدها عن السجون والمخيمات في حال وقوع الهجوم التركي. وعبّرت عن تلك الخشية، صراحةً، مساعِدة وزير الدفاع الأميركي، دانا سترول، بقولها إن «أيّ عملية عسكرية تركية شمال سوريا، قد تؤدي إلى دفع قسد إلى أحضان خصومنا، روسيا وإيران وسوريا، إذا تعرّضت لهذا النوع من الضغط». ومع تسارع الأحداث في الشمال السوري، سرّبت مواقع كردية أنباءً عن تلقّي «قسد» توصية مباشرة من الأميركيين بضرورة الابتعاد عن التنسيق العسكري مع الجيش السوري والإيرانيين، مع التهديد باتّخاذ إجراءات ضدّها. ونقلت وسائل إعلام كردية عن ممثّل «المجلس الوطني الكردي» في كردستان العراق، كاوا أزيزي، قوله إن «التحذير الأميركي لقسد جاء على خلفية التقارب الكبير بينها وبين الحكومة السورية والذي ترعاه روسيا». وأمام هذه التطوّرات، اختارت قيادة «قسد» إشهار موقفها من الحراك الأميركي، من خلال مؤتمر صحافي عُقد في مدينة الحسكة، أكد خلاله القائد العام، مظلوم عبدي، أن «قسد لن تنسحب من أيّ منطقة، بل سنقاوم أيّ عدوان سيُشنّ على مناطقنا»، لافتاً إلى أنه «لم يَعُد لدينا مكان ننسحب إليه، بعد تطبيق قواتنا لاتفاق سوتشي 2019، والانسحاب لمسافة 30 كم عن الحدود». واللافت أن عبدي وجّه انتقادات صريحة إلى واشنطن، مقابل الإشادة بالدور الروسي، وإبداء الاستعداد للتعاون مع موسكو والجيش السوري، في موقف إمّا أن يكون حاسماً، أو محاولة لاستفزاز الأميركيين ودفْعهم نحو اتّخاذ مزيد من الإجراءات لثنْي تركيا عن تنفيذ تهديداتها. وفي هذا السياق، اعتبر عبدي أنه «على الرغم من الموقف العلني للتحالف الدولي والأميركيين بمعارضة أيّ عدوان تركي على مناطقنا، إلّا أن هذه المواقف ضعيفة وغير كافية لردع الهجوم»، مشيراً في المقابل إلى «وجود جهود روسية لوقْف التهديدات التركية»، مضيفاً «(أننا) نقدّر الجهود الروسية التي كانت إحدى نتائجها نشر قوات الحكومة السورية في مناطق حدودية في منبج وعين العرب للدفاع عن السيادة السورية»، مشيداً أيضاً بدور الجيش السوري الذي قال إنه «سيكون أوّل مَن سيواجه الجيش التركي وفصائله».
دفَع الجيش السوري بتعزيزات عسكرية إضافية إلى الشريط الحدودي


وجاءت تصريحات عبدي في وقت دفَع فيه الجيش السوري بالفعل بتعزيزات عسكرية إضافية إلى الشريط الحدودي، بعد عدّة أيام من نشر كتيبتَي مدرّعات على امتداد المنطقة الممتدّة بين عين العرب في ريف حلب، وصولاً إلى عين عيسى وأطراف تل أبيض في ريف الرقة الشمالي. ولا يُعدّ هذا الانتشار الجديد بمستوى فرْض السيادة الكاملة، خاصة مع تجديد «قسد» رفضها الانسحاب، وتأكيدها استمرار عمل «الإدارة الذاتية»، وغياب أيّ مؤشّرات إلى استعدادها لتسليم المناطق المُهدَّدة بالهجوم إدارياً وعسكرياً للحكومة السورية. وفي هذا الإطار، تقول مصادر ميدانية مطّلعة، لـ«الأخبار»، إن «الانتشار الجديد للجيش السوري هو من ضمن مهامه الوطنية في الدفاع عن السيادة السورية، ويأتي استكمالاً لاتفاق تمّ توقيعه بين قسد والجيش السوري برعاية روسية في عام 2019»، مشيرة إلى «وجود تفاهمات على توسيع تواجد الجيش على خطوط التماس، مع نشر أسلحة ومعدّات ثقيلة». وفي ظلّ عدم شمول الانتشار الجديد مركزَي مدينتَي عين العرب ومنبج، تدعو المصادر «قسد إلى الإعلان عن فكّ ارتباطها رسمياً بالأميركيين، والمُضيّ بالتعاون مع الجيش السوري والروس، وتسليم مدن الشريط الحدودي، بما ينزع الذرائع التركية لشنّ عدوان جديد»، معتبرةً أن ذلك، في حال حصوله، «سيؤسّس لاتفاق شامل بين قسد والجيش السوري، سيكون بداية لتحوّل داخلي مهمّ في مسار الأزمة السورية».