بغداد | انقسمت تفسيرات المراقبين والرأي العام العراقي بشأن المستفيد من اندلاع اشتباكات بين أنصار رجل الدين المقيم في كربلاء محمود الحسني الصرخي والقوات الأمنية. فسواء كانت محاولة سريعة لإرباك وضع المحافظات المستقرة أمنياً، أو لتشتيت تركيز القادة الميدانيين المنشغلين في المحافظات الشمالية، أو محض حماقة، هي لا شك أربكت حسابات القيادات الأمنية.
بدأت الرواية عندما قام قائد شرطة كربلاء الجديد العميد غانم العنكوشي بتوجيه عناصره إلى رفع الكتل الكونكريتية من حول مكتب الصرخي، وفتح أحد الطرق الفرعية قرب مكتبه، موجهاً بمصادرة الأسلحة الثقيلة الموجودة داخله.
وبحسب روايات عدد من أهالي كربلاء، فإن القوات أثناء محاصرتها موقع المكتب الواقع في حيّ سيف سعد جنوب المدينة، صباح أمس، تأهب أفراد حماية المكتب، إلا أن قوات الشرطة لم تعرهم اهتماماً، وواصلت إجراءاتها برفع أولى الكتل الكونكريتية من الشارع، فبدأوا بإطلاق النار على القوات الأمنية، ما أدى الى مقتل اثنين من عناصر الشرطة.
ويؤكد الأهالي لـ«الأخبار» أن قوات الشرطة الموجودة ردّت بكثافة على مصدر إطلاق النار، ما أدى الى جرح أحد عناصر حماية الصرخي بيده.
وكان مكتب الصرخي قد بنى جدراناً كونكريتية في شهر نيسان من العام الماضي، في حي سيف سعد، وقام الأهالي برفع العديد من الشكاوى الى المحافظة لرفع الكتل التي قطعت الطريق عليهم وعزلت منطقتهم عن بقية مناطق الحي.
القوات الخاصة
العراقية تستعيد
جامعة تكريت وتستعد لتحرير المدينة

وبعد ساعة من إطلاق النار، وبدء أنصار الصرخي بمحاولة الانتشار في كربلاء لضرب القوات الأمنية، تدخل مكتب القائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي، وتم إرسال قوات أمنية من مدينة النجف القريبة من المحافظة لتأمين الوضع. وقد فرضت قيادة شرطة كربلاء، ظهيرة أمس، حظراً شاملا للتجوال، وشوهدت المروحيات تحلّق فوق حي سيف سعد.
وتضاربت الأنباء بشأن قيام الطائرات بقصف المكتب، في حين أعلنت قيادة شرطة كربلاء «اعتقال أكثر من 100 شخص كانوا موجودين في مكتب الصرخي..
وفور ورود الأنباء عن اقتحام مكتب الصرخي، انتفض المئات من أنصاره في مدن البصرة والناصرية والديوانية، من دون أن يكون لهم أي تحركات في العاصمة بغداد. وقام أنصاره بالتظاهر سلمياً في الناصرية وأغلقوا طرق بعض النواحي المؤدية الى مركز المدينة، في حين نفى محافظ البصرة وجود أي تحركات مشبوهة لأنصار الصرخي في المدينة، كما لم ترد أي أنباء أمنية عن الديوانية.
وكان محافظ كربلاء، عقيل الطريحي، استبدل قائد الشرطة السابق اللواء حسين عليوي عاشور بالعميد غانم العنكوشي، في احتفال جرى بعد ظهر الأحد الماضي، في مبنى المحافظة، بحضور القيادات الأمنية في المحافظة.
وعدّ الخبير في شؤون الجماعات المسلحة في العراق هشام الهاشمي قيام شرطة كربلاء بالتصادم مع أنصار الصرخي، الذي فر إلى جهة غير معلومة، «تهوّراً غير مدروس»، وقال في حديثٍ إلى «الأخبار» إن أسباباً عدة أدت الى ما حدث أمس، أبرزها «عدم معرفة القوات الأمنية التوقيت المناسب لمواجهة الصرخي، لا سيما أن لديه شعوراً بالقوة في ظل ضعف القوات الأمنية بسبب أحداث المحافظات الشمالية». وأضاف أن «حقيقة مشروع الصرخي تحتاج الى ثبوت عدم صلته بالبعث وتنظيم الدولة الإسلامية والسعودية».
ولا يتمتع الصرخي، الذي عارض الفتوى الأخيرة للسيد علي السيستاني بشأن الجهاد في مواجهة الإرهابيين الذي اعتبره واجباً كفائياً، بأي شعبية داخل العراق، ويتبعه بضع مئات من المؤيدين في بغداد. وتعدّ مدينة الناصرية معقله الرئيس، إذ لديه ثلاثة وكلاء يديرون مساجده هناك، حيث يقيم أقل من ثلاثة آلاف من مؤيديه. كذلك يعوّل الصرخي على محافظة البصرة الغنية بالنفط، ويركز نشاطاته هناك من خلال الأحياء الشعبية، كـ«الحيانية والجمعيات وحي الحسين».
ويعرّف الصرخي عن نفسه بأنه مرجع ديني، رغم أن لا أحد من كبار العلماء يعترف له بهذه الصفة. وأصدر رسالة خاصة به تتضمن استفتاءات وحل المسائل الشرعية الخاصة بالمذهب الشيعي الجعفري. كذلك انخرط الصرخي في الحوزة العلمية في النجف قبل سقوط النظام السابق بفترة قليلة، وتتلمذ على يد محمد صادق الصدر، والد مقتدى الصدر، لكنه أعلن عدم انسجامه مع أفكار الأخير ورؤاه، وأنشأ حركة سمّاها «الصرخية»، وادعى أنه يلتقي بالإمام المهدي، وأنه يتلقى توجيهات منه مباشرة.
ويعرّف عن نفسه باسم محمود بن عبد الرضا بن محمد الحسني الصرخي، ويحسب نفسه على الحوزة الناطقة التي أرسى أسسها السيد محمد صادق الصدر، في مواجهة الحوزة الصامتة التي يمثلها المراجع الأربعة الحاليين الكبار. عُرف بعلاقاته المتوترة مع المراجع الدينية في محافظة النجف، منذ ظهوره عقب عام 2003 وإعلان نفسه مرجعاً دينياً بمرتبة «آية الله العظمى». واختفى الصرخي منذ عام 2004 عقب محاولة القوات الأميركية إلقاء القبض عليه في محافظة كربلاء لاتهامه بقتل عدد من جنودها، كما وقعت خلال السنوات الماضية اشتباكات محدودة بين أنصاره والأجهزة الأمنية في عدد من المحافظات الجنوبية بسبب الخلافات بين المرجعيات والصرخي بشأن الدعوة المهدوية التي يطلقها.
وقام عدد من أتباعه في بغداد، العام الماضي، بمهاجمة مقار أربع صحف محلية، واعتدوا على بعض العاملين فيها، وحطموا أجهزتها وأبوابها وزجاجها، لنشرها خبراً لم يعجب الصرخي، لكن الحكومة لم تتمكن من القبض على أي منهم.
إلى ذلك، استعادت القوات الخاصة العراقية السيطرة على جامعة مدينة تكريت في محافظة صلاح الدين شمال العراق نتيجة لعملية خاضتها أمس في المدينة.
ونقلت وكالة «فرانس برس» عن محافظ صلاح الدين التي مركزها تكريت أحمد عبد الله الجبوري أن عشرات من العسكريين العراقيين استولوا على مبنى الجامعة بعد معارك خاضوها ضد المسلحين.
من جهته أفاد ضابط في الجيش العراقي بأن عملية القوات الخاصة من شأنها أن تمهد لاستعادة مدينة تكريت بكاملها بعد استيلاء المتمردين السنة عليها.