عمّان | قرر مجلس النواب الأردني أمس تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في مدينة معان التي لا تزال تشهد توتراً كبيراً فيما سجل مجدداً رفع أعلام القاعدة والدولة الإسلامية فيها. وطالب المجلس بتقديم تقرير محايد في قضية المواطنين ورجال الأمن الذين قتلوا أو أصيبوا في الأحداث، علماً أن المدينة تكاد تخلو من الإدارات الأمنية باستثناء قوات الدرك التي تقود حملة تستهدف القبض على مطلوبين للعدالة وفق ظاهر الأمور.
يروي المواطن سليمان الشاعر لـ«الأخبار» حكاية مقتل ابنه أنس، وهو أحد ضحايا مشاجرة طلابية وقعت العام الماضي في جامعة الحسين بن طلال في معان. أنس (15 عاماً) كان في الجامعة ليشارك مع وفد مدرسي في احتفالات تأسيسها. وذكر الشاعر أن جهات طبية تعمدت إخفاء دلائل قد توصل إلى قاتل ابنه، «فبعد أن نقل أنس إلى مستشفى معان عقب إصابته برصاصة في رأسه، لم يقدم أي علاج له». بعد ذلك، يروي الوالد أنه تقرر نقل ابنه إلى مستشفى البشير في عمان (200 كم)، «وبدلاً من نقله في طائرة نُقل بسيارة إسعاف وواصل نزف الدماء إلى أن فارق الحياة»، وفي رأي «أبو أنس»، فإن الحادثة منهجية ضد سكان المنطقة وهدفها إثارة الفوضى وحالات الثأر من جهات لم يسمها، «داخل معان وخارجها».
بين السياق الأمني السابق، وآخر له علاقة بمحاربة تنظيم «الخلافة الإسلامية»، دعا الملك الأردني عبد الله الثاني، الاثنين الماضي، المجتمع الدولي إلى الاستمرار في دعم بلاده كي تتمكن من مواجهة التحديات التي تحيط بالمنطقة. جاء ذلك في بيان صادر عن الديوان الملكي وبعد يوم من دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الأسرة الدولية إلى دعم الأردن أمام «تهديد الإسلام المتطرف».
قدم «الإخوان»
إستراتيجية اقتصادية ينوون لقاء الملك
بشأنها
لكن كيف يربط عبد الله خيوط ما يحدث؟ هنا بدأ الأردنيون يتناقلون ما سربته مصادر عشائرية عن حديث الملك الصريح مع وجهاء عشائر في مدينة الكرك (جنوب) القريبة من معان المتوترة، وقد اتهم آنذاك (قبل شهر) جماعة الإخوان المسلمين بإثارة الفتنة الفلسطينية ـ الأردنية، وأكد أن حزب جبهة العمل الإسلامي (ذراع الإخوان السياسية) غطاء شرعي وروحي على كل الجماعات التكفيرية في الأردن. وهو ما رد عليه الأمين العام للجبهة، حمزة منصور، في إجابته الصحافيين أمس، بالقول إن حزبه «كتاب مفتوح» وإنهم ضد التطرف جملة وتفصيلاً، رافضاً التعليق لـ«الأخبار» عن حديث الملك واستهدافهم.
على وقع ذلك، تواصلت «الأخبار» مع رئيس الديوان الملكي الأسبق، عدنان أبو عودة، الذي قال إن «الفرع الإخواني الأردني يختلف عن الأفرع الأخرى في الدول المحيطة». وأوضح لـ«الأخبار» أن «الأردن يمتاز بالاعتدال»، لكنه لفت إلى أن أفواج الشباب الإخوانيين الذين ذهبوا إلى أفغانستان في الثمانينيات «أسسوا للتطرف». وبيّن أبو عودة، الذي عمل مستشاراً سياسياً للملك الراحل، الحسين بن طلال، أن «الإخوان لا يتحملون وحدهم مسؤولية هذا الوضع»، فقد أسهمت دول كالسعودية وأميركا، وفق رأيه، في تسهيل إرسالهم، مضيفاً: «حتى الأردن تساهل، ما شجع الشباب المندفعين الى الهجرة، ولو كانت هناك مساءلة لما وجدنا اليوم هذه الأعداد من المتطرفين الذين يحملون فكر القاعدة». مع هذا، يقدر رئيس الديوان الأسبق أنه «لا خطر داعشياً على الأردن في المدى المنظور، لأن المطلوب دولياً أن تبقى المملكة التي لها أطول حدود مع إسرائيل مستقرة».
وسربت صحيفة «البناء» الأردنية عن مصادر مطلعة جزءاً آخر مما جرى خلال لقاء الملك مع عشائر الكرك. ومما قيل أنه أعرب عن قلقه من الوضع الذي تمر به البلاد بسبب الأزمة السورية التي قدّر أنها ستنتهي بعد عام، «كما أبلغ العشائر أنه رفض طلباً من أمير قطر، تميم بن حمد، لإعادة فتح مكتب حركة حماس في عمان برئاسة محمد نزال بدلاً من خالد مشعل».
في ظل هذا التصعيد، تجدر الإشارة إلى أن العلاقة بين الإخوان والدولة في الأردن لا تفتأ تشهد تأرجحات في مستوياتها، لكنها لم تصل يوماً إلى القطيعة. في المقابل، تعرضت الجماعة لعدد من الشروخ أكبرها تشكيل مبادرة «زمزم» على أيدي شخصيات إخوانية قدمت رؤية لتشكيل دولة مدنية تستوعب الأطياف جميعاً. فجأة دخل حزب جبهة العمل الإسلامي في محاولة يراها بعضهم هادفة إلى مغازلة النظام، فما الذي حدث؟
يبدو أن هناك تكتماً جرى لأكثر من عام، وأريد منه على الأرجح استئثار جبهة العمل الإسلامي بطرح استراتيجية اقتصادية سميت استراتيجية النهوض بالاقتصاد الأردني. في مؤتمر عقده إخوان الأردن أمس، أشهر الإسلاميون ما سموه «استراتيجية أردن الغد 2020»، وقالوا إن الفريق الاقتصادي في الحزب أعدها بمشاركة عشرات الخبراء الاقتصاديين.
موعد الاستراتيجية يحمل دلالات مهمة في ظل الحديث عن ضعف الإخوان من جهة، ومن جهة أخرى بلوغ الدين العام نحو 20 مليار دينار أردني (28 مليار دولار أميركي)، وتوقعات بعجز يصل إلى 2-3 مليارات دينار (3-4 مليارات دولار) للعام الجاري. مع العلم أن طرح المبادرة يأتي، طبقاً لمراقبين، في ظل انكفاء الإسلاميين بعد تهاوي الحراك الشعبي في المملكة، ومقاطعتهم العمل السياسي. في المجمل، ظهر أن «الإخوان» جماعة تحاول البروز بمظهر المخلص وهي تقدم الوصفات العلاجية ضمن دراسة واسعة (تقع في 500 صفحة) كلفت ميزانية الحزب كثيراً. وقد حرص رئيس الفريق الاقتصادي في الحزب الإخواني، سليمان الشياب، على تأكيد ذلك والإشادة بالتجربة الاقتصادية التركية، باعتبار أن الفضل فيها يعود إلى الحكومة التركية ذات الجذور الإخوانية.
وعاد الأمين العام، حمزة منصور، ليذكر أنهم أرسلوا نسخاً من الاستراتيجية إلى كل من الديوان الملكي ورئاسة الوزراء ومجلس الأمة، كاشفاً عن طلب قدم إلى رئيس الديوان لتنسيق لقاء يجمع الفريق الاقتصادي التابع لهم مع عبد الله الثاني لوضعه في جدوى استراتيجيتهم، لكنه لم يشر إلى احتمال احتواء اللقاء الحديث في جوانب أخرى أو متعلقة بالتسريبات الأخيرة.