قرب بوابة فندق جنوبي بيروت، كان الموعد مع غسان بنات، شقيق الشهيد نزار بنات، لأخذه إلى مقرّ «الأخبار»، لإجراء حوار معه حول اغتيال شقيقه من قبل عناصر تابعين للأجهزة الأمنية الفلسطينية في 24 حزيران 2021، ولنعرف إلى أين وصلت قضية نزار بعد عام. الرجل في بيروت هذه الأيام للبحث عن محام عربي لتولي قضية شقيقه في الطريق إلى تدويلها، بعد أن استنفد خياراته مع العدالة الفلسطينية، ولا سيما أن القضية «وصلت إلى طريق مسدود»؛ فالنظام السياسي الموجود في رام الله «لا ينوي محاكمة من قام ومن ارتكب هذه الجريمة بغضّ النظر عن المستوى الذي قام بهذا الفعل». الحوار لم يكن سهلاً، فالرجل بين مفصلين، شقيقه الذي استشهد بأيدٍ فلسطينية، ووطنه الذي يرفض أن يحقق العدالة لدماء أخيه. ترك عمله وتجارته التي كان يعمل بها، ليعود بحق شقيقه، الذي يعتبر أن حقه عدالة لكل فلسطيني وعربي، فالشهيد نزار، كما يقول، اسمه منذ الآن نزار العربي.لدى غسان مبرّراته وحججه حتى يعتبر أن العدالة الفلسطينية لن تنصف دم نزار، فمنذ أيام قليلة على سبيل المثال، أفرجت هيئة قضاء قوى الأمن عن المتهمين الـ 14 بكتابها الرقم 4511 بتاريخ 21 حزيران الماضي، والذي أشار إلى الموقوفين على ذمة القضية 76/2021 (المحكمة العسكرية الخاصة رام الله)، أي قضية الشهيد نزار بنات التي وجّهت فيها النيابة العسكرية إلى 14 عنصراً من قوى الأمن «لائحة اتهام تضم تهمة الضرب المفضي إلى الموت بدلالة القتل القصد باستخدام التعذيب»، حسب إعلان المحامي غاندي أمين، رئيس الهيئة القانونية التي تمثّل عائلة المعارض الفلسطيني والمرشح السابق للمجلس التشريعي نزار بنات.
يعلّق غسان على قرار هيئة قضاء قوى الأمن بأنه لم يشمل بقية المعتقلين المدنيين والعسكريين، على اعتبار أن ذريعة القرار هي تفشي فيروس «كورونا». وعليه، اكتملت عناصر اليأس لدى العائلة، وبالتالي كان القرار بالذهاب نحو تدويل القضية التي وصلت صفحات التحقيق فيها إلى 2800 صفحة حتى الآن وعشرات مقاطع الفيديو. يؤكد غسان أن هذا «الملف التحقيقي تمّت الموافقة عليه من قبل العائلة وفيه خمس تهم تجاه من قاموا بهذا الفعل، منها الضرب المفضي إلى الموت، وهذه قضية تعذيبية، وعدم وجود مذكّرة تفتيش،...».

المحكمة العسكرية لن تحاكم
لم تكن المحاكمة العسكرية مقبولة لدى العائلة والهيئة القانونية التي تولّت قضية نزار، وقد أعلنت ذلك في بيان رسمي: «المحكمة العسكرية لن تقوم بمحاكمة هؤلاء وهي جزء من المنظومة العسكرية». وعلى الرغم من تدخّل القوى والفصائل الوطنية والإسلامية للسير بإجراءات المحاكمة «على أمل أن يكون الحل فلسطينياً ومشرفاً»، لم يحصل أي شيء يرضي العائلة والعدالة، كما يقول، ويوضح: «نحن كعائلة لا نتعامل مع نزار بنات أنه ابن عائلة بنات فقط، بل هو ابن الشعب العربي الفلسطيني».
قدّمت العائلة وثائقها: «25 شاهداً ومقاطع الفيديو دون تأخير، دون تأجيل ودون مماطلة»، لكن ما جرى في المقابل؟ «تم اعتقال 3 من الشهود، إذاً كيف يمكن تحقيق العدالة داخل محكمة عسكرية؟». يؤكد غسان لـ«الأخبار» أن عشرات الفلسطينيين تم اعتقالهم على خلفية قضية نزار، هذا لنشره صورة للشهيد، أو ذاك لتعليق حول اغتياله، وآخر لمطالبته بتحقيق العدالة لنزار، «تم الاعتقال أو التضييق على عشرات الفلسطينيين بتهمة نزار، بعضهم أقيلوا أو نُقلوا من وظائفهم كالدكتور عماد البرغوثي والدكتور إيهاب بسيسو لأنه فقط كتب على فايسبوك، وعمر عساف وغيرهم الكثير الذين زرتهم بعد ضربهم أو التنكيل بهم بسبب تهمة اسمها نزار بنات». يرى غسان أن من يتصرف بهذه الطريقة لا يمكنه أن يحكم بالعدل في قضية هو المتهم بها، «النيابة العسكرية لم تحم شهودها، وأصبحت أداة بيد الأجهزة الأمنية».

على طريق التدويل... «السلطة ليست دولة»
الإجراء الحالي الذي يقوم به بنات في بيروت، هو البحث عن محامٍ دولي عربي يتولى قضية نزار: «أجرينا عدة حوارات ولقاءات من أجل اختيار المحامي المناسب، وقد جلست مع عشرات المحامين، ونصرّ على أن يكون المحامي عربياً»؛ يوضح أنهم يسمّون نزار «نزار العربي»، لذا الإصرار أن يكون المحامي عربياً: «لا يمنع من الاستعانة بخبراء وفنيين أجانب من الدول التي نراها مناسبة، لكن يجب أن تبقى الواجهة عربية للحفاظ على عروبة قضية نزار، أيضاً، نعمل على إصدار كتاب عن نزار من جزءين، الأوّل سيكون بعنوان نزار العربي وهو كتاب سياسي فيه آراء وفكر نزار وطريقة تفكيره، أمّا الجزء الثاني فسيكون عنوانه عدالة نزار، عبارة عن كتاب قانون ليشكل مرجعية قانونية للإخوة المحامين في العالم».
«تم الاعتقال أو التضييق على عشرات الفلسطينيين بتهمة نزار، بعضهم أقيلوا أو نُقلوا من وظائفهم»


يطرح موضوع تدويل قضية نزار سؤال الثقة بـ«العدالة الدولية»، ولا سيما أن قضايا عدة، منها عربية، تم تدويلها، ولم تصل إلى نتيجة، فضلاً عن إمكانية استخدام واستغلال قضية نزار سياسياً لتحقيق مآرب أخرى ليس من ضمنها العدالة لنزار، إلا أن غسان يبيّن أنه يثق بأن «العدالة الدولية ستأتي بنتيجة لسبب مركزي واضح، أولاً، أن السلطة الفلسطينية ليست دولة، وهي عبارة عن مشروع أممي، تتلقّى الدعم والتمويل من الدول الأجنبية، أمّا في مسألة تسييس القضية، فلو كانت السلطة الفلسطينية أو منظمة التحرير عبارة عن دولة، فنقول بأنه من الممكن تسييس القضية». على رغم من أن فلسطين نالت صفة دولة غير عضو في الأمم المتحدة في عام 2012، إلا أن غسان يوضح رأيه: «السلطة عبارة عن وحدة من وحدات منظمة التحرير وهي عبارة عن مشروع دولي تقوم بدور خدماتي وظيفي لا غير، وهي أنشئت باتفاق دولي، ولم يعد المجتمع الدولي يتحمّل استخدام أموال دافعي الضرائب في الأراضي الفلسطينية كأداة قتل، وهذا ليس رأيي فقط، بل هو رأي المراقبين والمؤسسات الدولية والمحلية الذين حضروا جلسات المحكمة التي تجري في رام الله، وتقاريرهم لديّ، كلهم أدانوا السلطة. وقبل يومين منظمة العفو الدولية قالت إن العدالة غائبة في الضفة الغربية».
يكمل: «السلطة لو كانت دولة تحترم المواثيق والعهود التي وقّعت عليها، لما كانت تقوم بمثل هذه الجريمة، لأن هذه الجريمة تدل على انفلات الأجهزة الأمنية وتغوّلها، وتحولها إلى ميليشيات مسلحة، هذا من حيث الأساس. أيضاً قد تكون دولة فلسطين محسوبة على طرف هنا أو هناك ويمكن أن يكون هناك تسييس للقضية، أمّا في وضع السلطة الحالي، لأنها أصلاً منزوعة الصلاحية، فمثلاً لو تأخّر التمويل شهراً، لن تستطيع الوفاء بالتزاماتها، وحين ذهب رئيس الحكومة محمد أشتيه إلى بروكسل، كان ملف نزار حاضراً على الطاولة، مع مطالبات بتحقيق العدالة، ومع ذلك إسرائيل ناصرت السلطة في مرتين، حين حوّلت إليها الأموال، مرة 500 مليون شيكل، ومرة أخرى 800 مليون شيكل».
يؤكد غسان أن المجتمع الدولي لا يقبل أن تُصرف أمواله على انتهاكات حقوق الإنسان، فضلاً عن أن قضية نزار عادلة وواضحة ولا رواية فيها إلا رواية نزار، ويضيف: «نزار إنسان مدني وناشط سياسي ولا يخضع لأي فصيل سياسي، نزار ليس فتحاوياً ولا حمساوياً ولا جهادياً، فهو لا يخضع لأي لون سياسي، نزار خال من المربعات السياسية، بالتالي نحن مطمئنون بأنه لا يمكن تسييس قضية نزار بناءً على لون سياسي خاص به، وهذا انتهينا منه. أمّا أن يتم استغلال قضية نزار ممّن هم ضد السلطة أو لصالح السلطة، فهذه أمور دولية لا علاقة لنا بها. نحن نطالب بحق مدني بعيداً عن السياسة»، ويستدرك، أنه في حال تم استغلال قضية شقيقه «لا مانع لديّ، علناً أتكلم. لأن من جرّنا إلى هذا المربع هو سلوك السلطة، وأنا في 18 أيار الماضي أعلنت من رام الله عبر مؤتمر صحافي بوجود القانونيين، أنّي سأتجه إلى القضاء الدولي، ولتتحمّل السلطة مسؤولية ونتائج هذا التوجه».

نريد العدالة فقط
الهدف لدى غسان تحقيق العدالة لشقيقه، لذا طرح سؤالاً احتجاجياً لا استفهامياً: «ما المانع أن تحقق السلطة العدالة لنزار، وأن تقوم بإجراءات وطنية سليمة محترمة تحفظ حق نزار وعائلته، كذلك حقوق شعبنا الفلسطيني، لأنه أصبح شعباً لا يأمن على نفسه وعلى مستقبله ومستقبل أولاده؟! إذا لم تتم ملاحقة السلطة بجريمة نزار سيكون هناك نزار ثانٍ وثالث ورابع وعاشر، بالتالي يجب ملاحقتها دولياً من المؤسسات الدولية كافة، فلعدالة قضية نزار، يجب أن تشكل سياجاً حامياً للمواطنين الفلسطينيين كافة حتى يتم وقف تغوّل الأجهزة الأمنية على المواطن الفلسطيني». يتابع غسان حديثه حول السلطة وشكل وجودها الأمني: «الموطن الفلسطيني أصبح تحت حكم عسكري مباشر، فلا وجود لمحاكم مدنية ولا حتى عسكرية، بل أصبحت المحاكم الفلسطينية عبارة عن واجهات تجميلية لسلوك الأجهزة الأمنية، القاضي اليوم لا يملك قراره بالإفراج عن موقوف، وقد حصلت معنا في قضية نزار، فقد تقرّر الإفراج عن عمار بنات ثلاث مرات، ولكنّ الأجهزة لا تريده أن يخرج، بينما الـ 14 الذين قتلوا نزار رفض القاضي الإفراج عنهم خمس مرات، لكنّ الأجهزة الأمنية أفرجت عنهم، هذه هي الصورة، سلطة الجهاز العسكري أصبحت أعلى من سلطات المحاكم».


يصف غسان بنات، من وجهة نظره، الوضع في الضفة الغربية: «عبارة عن احتلال عسكري ولكن بواجهة فلسطينية. السلطة تنفذ تعليمات إسرائيل الأمنية وتعليمات التنسيق الأمني». ويضيف جازماً: «السلطة قولاً واحداً على أرض الواقع أصبحت كتيبة متقدمة من كتائب الجيش الإسرائيلي، شئنا أم أبينا، ولكن بلون فلسطيني»!
أمّا عن تمويل تدويل القضية، فيجيب: «لدينا مئات المحامين المتطوّعين، وجزء منهم من لبنان، يعمل هؤلاء معنا لأن قضية نزار قضية حقوقية إنسانية عادلة. لم يطلب أي محام أي دينار، جميعهم ممّن يعملون مع العائلة في القضية، تبرّعوا. تبقى المصاريف البسيطة التي لها علاقة بالرسوم وتقديم القضية، نحن كعائلة نتكفل بها».

العشائر معنا
كان لا بد من سؤال غسان بنات عن موقف العشائر الفلسطينية، بعد أن أعلن في مؤتمر صحافي عقده في رام الله العام الماضي بأن العائلة ليس لديها حق عشائري عند العناصر الـ 14، ويجب أن تكون المحاسبة لدى المستوى الأوّل والثاني والثالث ومن أعطى الأمر وخطّط، وأكد حينها أنه من الظلم محاسبة العناصر ومسؤوليهم والضباط خارج المحكمة. في الحوار معه، يوضح أن «سلوك عائلات وعشائر فريق الاغتيال، سلوك وطني بامتياز، ومن دفع جزءاً من هذه العشائر من أجل فرض دية هي السلطة عن طريق دائرة شؤون العشائر في المحافظات». رفضت العائلة تدخل العشائر «على قاعدة وعلى مبدأ أن نزار بنات ابن الشعب العربي الفلسطيني». مواقف العشائر «مواقف عربية ونبيلة وأصيلة، وذلك لأن موضوع نزار، أوّلاً إنساني، وثانياً سياسي. ولا يوجد إنسان بكامل صفاته الإنسانية، يقبل أو يوافق أو يتبنّى جريمة قتل إنسان، أي إنسان طبيعي يمتلك المشاعر الإنسانية والعقل والمنطق الصحيح، سيكون مع نزار، حتى محمود عباس يجب أن يكون مع نزار بالشكل الإنساني. من الظلم أن ألوّث هذه العشائر بدم نزار، لأن هذه العشائر منذ اللحظات الأولى كانت في بيت العزاء، ومنهم من أطلق اسم نزار على مولوده، ومنهم من وهب عمرة لنزار ببثّ مباشر من مكة». وذكّر غسان ببيان أحد قادة العشائر الذي قال فيه إن قضية نزار بنات قضية سياسية ولا دخل للعشائر فيها.

الحكم العادل لنزار
«هناك أدوات للجريمة، وهناك المسؤول المباشر، والمسؤول غير المباشر، وبالتالي لا يمكن للعناصر الـ 14 أن يأتوا إلى بيت نزار إلا بموافقة مدير المدينة، ونائب مدير الجهاز، ومدير العمليات، ومدير الجهاز»، وهنا يؤكد غسان أن اثنين من هؤلاء تمّت ترقيتهما: مدير العمليات أخذ رتبة عميد أخيراً «وكان قد اعترف أمام المحكمة بأنه هو من أعطى الأمر، وهو من أدار العملية عبر الهاتف». بالنسبة إلى غسان، كل من تورّط في اغتيال شقيقه تجب محاسبته حتى رئيس الحكومة الفلسطينية الحالي الذي يتولى شؤون وزارة الداخلية «يجب محاسبة محمد أشتيه لأن الأمن الوقائي يخضع لمسؤوليته». هو يؤكد أن العائلة ليست عدمية: «نحن نطلب فقط تحقيق العدالة»، والعدالة، من وجهة نظره، تتحقّق بمحاسبة «من أعطى الأمر ومن نفّذ ومن خطّط».
الخلاف القائم مع السلطة هو على كلمة وصفية لقتل نزار هي «القتل بالخطأ»: «أنا أقول ما جرى مع نزار بنات شقيقي هو اغتيال سياسي»، ومع ذلك فإنه حتى لو ذهب مع السلطة إلى فكرة «القتل بالخطأ»، ما يطلب غسان ويطالب به السلطة هو محاسبة من قام بـ«القتل بالخطأ».