بغداد | ما بين الهجمات على حقول الغاز في إقليم كردستان العراق وانسحاب شركات عالمية من العمل فيه التزاماً بقرار المحكمة الاتحادية العراقية، وما بين اجتماعات في السليمانية شملت «الاتحاد الوطني الكردستاني» و«الإطار التنسيقي» و«تحالف العزم»، وأخرى في أربيل جمعت الأكراد أنفسهم، ولا سيما نيجرفان بارزاني وبافل طالباني، مثّل الإقليم الشمالي نقطة الجاذبية لجهود مكثّفة تهدف إلى التوصُّل إلى تفاهمات على المشاركة الكردية في الحكومة، كما على هوية الرئيس العراقي الجديد. والموضوع الأخير عاد من خلاله مقتدى الصدر ليطلّ على المشهد السياسي بعد انسحابه من العملية السياسية، مُعلِناً «التبرّؤ» من الرئيس برهم صالح لـ«امتناعه» عن توقيع قانون تجريم التطبيع مع إسرائيل، علماً أن القانون أصبح نافذاً بمجرّد نشره في الجريدة الرسمية
بعد أيام على ملء الشواغر الناتجة من استقالة «التيار الصدري» من البرلمان، تركّزت الاجتماعات في إقليم كردستان، في محاولة للتوصُّل إلى تفاهمات أوّلاً على موقع الرئاسة، والذي يُعتبر من حصّة «الاتحاد الوطني»، إلّا أنه يحتاج إلى تفاهم بين الاتحاد و«الحزب الديموقراطي الكردستاني»، وكذلك على تشكيل الحكومة العراقية الجديدة وخصوصاً لناحية المشاركة الكردية فيها. وعُقد، قبل يومين، اجتماع في منزل الرئيس الراحل جلال طالباني في السليمانية، استضافَه نجله بافل، وضمّ ممثّلين عن «الإطار التنسيقي» و«تحالف العزم»، طار بعده بافل إلى أربيل حيث شارك في اجتماع عسكري - أمني مع «التحالف الدولي» يخصّ قوات «البيشمركة» والأجهزة. كما سرت معلومات عن عقده اجتماعاً جانبياً بعيداً عن الإعلام مع رئيس الإقليم، نيجرفان بارزاني، جرى خلاله بحث موضوع الرئاسة العراقية، وفق ما يقول القيادي في الاتحاد، أحمد الهركي، لـ«الأخبار». وبحسب بيان لـ«التنسيقي»، فقد جاء الاجتماع بعد ما وصفه بإعادة توحّد «تحالف العزم» بعودة عدد من النوّاب إليه، مِمَّن كانوا قد انفصلوا عنه إثر انشقاق خميس الخنجر.
وحول التغريدة الأخيرة لزعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، يَلفت الهركي إلى أنه «لم يتمّ الردّ حزبياً عليها، وتمّ الاكتفاء بردّ المتحدّث باسم رئيس الجمهورية الذي أكد دعم القضية الفلسطينية في كلّ المحافل الدولية»، موضحاً أن «الرئيس برهم صالح لم يبدِ أيّ ملاحظة على قانون تجريم التطبيع، الذي أصبح نافذاً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية بتاريخ 20 حزيران العدد 4680، والسكوت عن القرار من قِبَله يعني القبول به ضمنياً». وبخصوص غاز كردستان، يشير الهركي إلى ثلاث عمليات حصلت خلال الأيام الماضية، ضُرب خلالها حقلا دانا غاز وخورمور، مضيفاً أن «البعض اتّهم فصائل المقاومة العراقية، لكن تنسيقية المقاومة أصدرت بياناً ضدّ هذا الهجوم كونه يضرّ بالاستقرار الأهلي ويخلط الأوراق في العراق»، متابعاً أن «الفصائل وكتائب حزب الله اتّهمت تركيا باستهداف حقول الغاز، وهو موضوع استراتيجي كبير لأن العراق والإقليم لديهما احتياطات غاز كبيرة. وقوباد طالباني طالَب قبل يومين بتشكيل لجنة تحقيق، وزار مكان الحادث نفسه». ويرى الهركي أن «للموضوع أبعاداً خطيراً، في ظلّ وجود مشروع لنقل الغاز العراقي كبديل من الغاز الروسي إلى أوروبا وتركيا و الأردن. كما ثمّة سيناريو ثانٍ مرتبط بحقيقة أن دانا غاز لديها مشكلة مع الحكومة الإيرانية منذ سنوات، وثمّة دعوى قضائية مرفوعة ضدّها، ولربّما يحاولون عن طريق الضغط إخافتها».
سُجّل بالتزامن مع الهجمات على حقول غاز كردستان، انسحاب شركات نفطية من العمل في الإقليم


وإلى جانب الهجمات، ثمّة اتجاه برز في الآونة الأخيرة، يتمثّل في انسحاب شركات نفطية من العمل في الإقليم، التزاماً بقرار المحكمة الاتحادية العليا في العراق، والذي قضى بعدم شرعية إدارة سلطات إقليم كردستان للثروة النفطية فيه، نتيجة تفرُّد آل بارزاني باستغلال تلك الثروة من خلال توقيع العقود مع شركات تعود إليهم. وفي هذا السياق، بعثت شركة «شلمبرغر» العالمية رسالة إلى وزير النفط، إحسان عبد الجبار إسماعيل، تُعلن فيها الالتزام بقرار المحكمة الاتحادية بعدم العمل في كردستان، وعدم التقدُّم إلى أيّ مناقصة في قطاع النفط والغاز في الإقليم. ويقول الخبير الاقتصادي، زهير الحسيني، لـ«الأخبار»، إن «هذا القرار سيؤثّر سلباً على إنتاج النفط في كردستان، وخاصة أن شركة شلمبرغر مع شركة هاليبرتون الأميركية للطاقة (التي يبدو أنها في طريقها إلى الانسحاب) لديهما عقود عمل في حقول نفطية شمالية منها طقطق وطاوكي وجمجمال وكورمور وخورماله».
ويَلفت المحلّل الاقتصادي، يونس الكعبي، بدوره، في حديث إلى «الأخبار»، إلى «أنها المرّة الثانية أو الثالثة التي تعلن فيها إحدى الشركات النفطية العاملة في حقول إقليم كردستان انسحابها من جولات التراخيص في الإقليم بسبب قرار المحكمة الاتحادية، لأنه في حال فعّلت وزارة النفط وشركة "سومو" المسؤولة عن تسويق النفط في العراق هذا القرار، فبالتأكيد ستوضع علامات سوداء على هذه الشركات، وهي طبعاً لا تريد أن تخسر سمعتها الدولية ولا سوقها. ولذلك، فهي تُفضّل الانسحاب»، معرباً عن اعتقاده بأن «إحدى الشركات ستقوم بتصفية أعمالها داخل كردستان حفاظاً على سمعتها الدولية وحفاظاً على وضعها القانوني، فضلاً عن تجنّب المساءلة القانونية التي يمكن أن تتعرّض لها من قِبَل الحكومة المركزية».
ويتوقّع الكعبي أن «ترضخ كثير من الشركات للقرار العراقي، كونها لا تستطيع أن تخاطر كلّ هذه المخاطرة على رغم الإغراءات التي قُدِّمت لها في إقليم كردستان للمشاركة في جولات التراخيص»، مشيراً إلى أن «الأعمال في الإقليم لا تحصل بعلم وزارة النفط العراقية، لذلك نلاحظ اختلافاً في جولات التراخيص بين الجولات التي أُجريت في بغداد وتلك التي أُجريت في أربيل، ناهيك عن أن العائدات غير معلومة لأنها لا تخضع للخزينة المركزية، فتبقى الأرقام ضبابية ومشوَّشة، ولا أحد يستطيع معرفة الكمّيات التي تُستخرج من كردستان والجهات التي تُصدَّر إليها وإلى أين تذهب الأموال. فهناك الكثير من الغموض الذي يكتنف ملفّ النفط والطاقة في الإقليم، ولذلك أعتقد أن قرار المحكمة كان واضحاً بعدم شرعية أو دستورية هذه الأعمال، ووجود الشركات في كردستان».