غزة | يبدو أن الفلسطينيين ليسوا بعيدين عن انقسام سياسي جديد يغير مجرى المرحلة الحالية الحرجة، لكنه في المقابل سيزيد الأمور تعقيداً في ظل استمرار عقدة رواتب موظفي غزة ورفض حكومة الوفاق التسليم بواقعية عددهم (أكثر من 40 ألفاً) وفي النتيجة صرف رواتبهم ومستحقاتهم.
شيئاً فشيئاً تزداد الساحة الفلسطينية اضطراباً، تارة بمنع عناصر الأمن في غزة الموظفين الذين يتقاضون رواتب من السلطة في رام الله تلقي رواتبهم عبر الصراف الآلي، وأخرى باللجوء إلى الإضراب. التطور الأخطر حدث فجر أمس حين حطم ملثمون مجهولون عدة صرافات آلية قبل معاودة الشرطة التابعة لحركة «حماس» انتشارها قرب البنوك.
مع غياب أي تصريح من الشرطة عن المسؤولين عن الحادث، لا يمكن فصله عن سياق الحديث عن رفض بعض المصارف كالبنك العربي تلقي الحوالة القطرية لحل مشكلة رواتب غزة، كما لا تفصل الحادثة عن تصريحات «حماس» الأخيرة التي أشارت فيها إلى احتمال العودة إلى إدارة القطاع مجدداً. اليوم، بعد انقضاء شهر على تشكيل الحكومة التي يترأسها رامي الحمدالله، يرى مراقبون أن المواقف الحمساوية الأخيرة تأتي في محاولة أخيرة للضغط على الرئيس محمود عباس حتى يدفع بركب المصالحة نحو الأمام.

خلال رصد الوقائع اليومية منذ بدء حكومة التوافق مهماتها، تدل المؤشرات في أرض الواقع على أن شيئاً لم يتغير حيال تنحي «حماس» عن الحكم، فعملياً لم يطرأ على الوزارات أي تعديل باستثناء مغادرة وزراء حماس السابقين مواقعهم ليخلفهم أربعة جدد يجتمعون مع نظرائهم في الضفة عبر «الفيديو ـ كونفرانس».
هذه الحال لن تستمر كثيراً بعد إعلان «التوافق» أمس، تكليف الوزراء إعادةَ كل الموظفين المعينين قبل 14 حزيران 2007 (تاريخ الانقسام) إلى وظائفهم في قطاع غزة. وطلبت الحكومة عقب اجتماعها الأسبوعي في رام الله وغزة، من اللجنة الإدارية القانونية التي شكلتها لمتابعة شأن غزة «عقد اجتماعات مكثفة لدراسة ملفات الموظفين المفصولين، والموظفين الذين أوقفت رواتبهم، والآخرين الذين جرى تعيينهم بعد 14 حزيران 2007».
في المقابل، ردت «حماس» على هذه الخطوة بالقول إن «قرار الحكومة عودة الموظفين المستنكفين في غزة إلى وظائفهم فوراً هو انتهاك لاتفاق المصالحة». وبعد أن عبّر المتحدث باسم الحركة، سامي أبو زهري، عن استغرابهم هذا القرار، أضاف عبر «الفايسبوك»: «البند الخامس في اتفاق المصالحة ينص على أن تكون عودة الموظفين وفق الآلية التي ستوصي بها اللجنة الإدارية المشكلة»، لكنه ذكر أن تشكيلة اللجنة الحالية ترفضها «حماس».
وتابع أبو زهري: «قرار التوافق خضوع لإملاءات حركة فتح على حساب المصالحة، وهو ما يطعن بمصداقية هذه الحكومة ويؤكد أنها بدأت تفقد الثقة التي منحت لها»، مشيراً إلى أن الدعوة إلى عودة المستنكفين بهذه «الطريقة الفوضوية» هي «محاولة للتهرب من المسؤوليات تجاه مشكلة الرواتب». في ضوء هذا الواقع المضطرب، يرى القيادي في «حماس»، يوسف رزقة، أن حركته أمام خيارات مؤلمة «خاصة أن القطاع يعيش اليوم حالة من الفراغ». وقال لـ«الأخبار»: «الحالة التي تلت تشكيل الحكومة تثير القلق وتشجع على الفلتان الأمني، لذلك لا بد من إشغال الحالة القائمة»، لافتاً إلى أنه إذا تقرر فعلاً عودة «حماس» إلى تولي زمام الحكم في غزة من جديد، فإن ذلك قد يمر عبر خيارين. الخيار الأول، وفق رزقة، أن «تشكل الحركة هيئة وطنية بالتوافق مع الفصائل الفلسطينية، خصوصاً على وقع التصعيد الإسرائيلي الحالي، ثم تتولى هذه الهيئة إدارة غزة». أما الخيار الثاني، فهو «أن تذهب حماس منفردة في حال رفضِ الفصائل مشاركتها، إلى إدارة القطاع من جديد». رزقة عاد ليؤكد أن «موقف حماس دوماً قائم على الحكم بالمشاركة»، مستدركاً: «في حال تعذُّر تنفيذ اتفاق المصالحة لا بد أن تعود الحركة إلى تشكيل حكومة في غزة لتوفير رواتب الموظفين، وهي تحظى بالشرعية القانونية لهذا الأمر لتمتعها بالأغلبية في الانتخابات البرلمانية 2006». وشدد في الوقت نفسه على أن جميع الحلول المقترحة في المرحلة المقبلة ستكون مؤلمة، «لأن الخيار الأنسب هو تنفيذ المصالحة دون استعلاء أو تمييز أو عنصرية».
أما عن حادث تحطيم الصرافات الآلية، فعقب باقتضاب: «بعيداً عمّا جرى، فأنا ليس لدي تفاصيل، ولكن لا يجوز لموظف لا يعمل أن يتقاضى راتباً، في حين أن آخرين يعملون ولا يتقاضون أي راتب... هذه صورة مقلوبة».
في سياق آخر، قررت حكومة التوافق خلال الجلسة نفسها، توريد الوقود إلى محطة توليد كهرباء غزة من دون ضريبة «البلو» التي تفرض على السولار الصناعي المورد إلى القطاع، وذلك في شهر رمضان، لكنها في الوقت عينه شددت على متابعة جباية شركة كهرباء غزة بدلات الكهرباء، وتحويل الأموال إلى وزارة المالية حتى تتمكن الأخيرة من التسديد للمورد الإسرائيلي.
يأتي هذا القرار بالتزامن مع تحذير سلطة الطاقة والموارد الطبيعية في غزة، أمس، من توقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة عن العمل «ما لم يُضَخ الوقود بكميات كافية ويُضمَن استمرار تشغيلها في ظل التشديد الإسرائيلي على معبر كرم أبو سالم».