ازدحمت الأشهر الماضية بجملة من القرارات الحسّاسة التي تجاوزت المسارعة إلى ملء شواغر المناصب في «منظّمة التحرير»، إلى العودة إلى تعريف المنظّمة وتجليسها في واقع يخالف السياق التاريخي لتشكيلها. ففي مطلع شهر شباط الماضي، اجتمع الرئيس محمود عباس مع «اللجنة المركزية»، على الرغم من مقاطعة «الجبهة الشعبية»، وهي ثاني أكبر الفصائل المنضوية ضمن إطار المنظّمة، وانسحاب كلّ من «حزب الشعب» و«حركة المبادرة الوطنية» احتجاجاً على الطريقة التي انعقد بها الاجتماع واتُّخذت من خلالها القرارات. كان إدراج المنظّمة كمؤسّسة من مؤسّسات السلطة/ الدولة، واحداً من أبرز القرارات اللافتة، ما يعني وفق محلّلين، قلْباً للثوابت التاريخية القائمة على كوْن السلطة إحدى مؤسّسات المنظّمة التي هي «الممثّل الشرعي للشعب الفلسطيني»، وليس العكس. كما حفل اجتماع «المركزية» بجملة من التعينات التي وُزّعت بين قيادات «فتحاوية» متنافِسة، أهمّها تعيين روحي فتوح في منصب رئيس «المجلس الوطني» خلَفاً لسليم الزعنون الذي قدّم استقالته بسبب التقدّم في العمر، بينما مهّد اللقاء أيضاً لتعيين حسين الشيخ، أميناً لسرّ «اللجنة التنفيذية» للمنظّمة، وهو ما جرى بعد عدّة شهور بالفعل.قرار إعادة تجليس وضع «منظّمة التحرير» على أساس كونها جزءاً من مؤسّسات السلطة، والذي خطّط «أبو مازن» لتمريره بهدوء، أحدث جدلاً في الأوساط الشعبية والحزبية؛ إذ رأى فيه الناشط نائل الشريف تمهيداً لإنهاء دور المنظّمة الأساسي الذي أنشئت من أجله، فيما علّق عليه المحلّل السياسي، مصطفى إبراهيم، باعتبار ما جرى تحويلاً لـ«منظّمة التحرير إلى دائرة تابعة للدولة الوهمية تحت الاحتلال، وقيادةٍ وجيشٍ من الموظّفين الممثّلين في المجلس المركزي، والذين يتمتّعون بامتيازات خاصة لم يكن آخرها جواز السفر الديبلوماسي، ليكون هَمّ هؤلاء هو الدفاع عن مصالحهم وامتيازاتهم وإضعاف المنظّمة في الطريق لإنهاء دورها». ويرى أيمن الرافاتي، وهو محلّل سياسي، من جهته، في ما جرى «قفزة عباسية إلى الأمام، تهدف إلى قطع الطريق أمام الفصائل التي تنادي بإعادة إصلاح منظّمة التحرير». ويعتقد الرافاتي، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «عباس يريد ترتيب الوضع في المرحلة التي ستلي خروجه من المشهد، وبذلك، هو يقطع الطريق على الفصائل الإسلامية (حماس والجهاد الإسلامي) التي ستعمل على الانضمام إلى المنظّمة، من خلال إجبارها على دخولها من تحت سقف أوسلو، التي قامت على القبول بحلّ الدولتين والاعتراف بدولة إسرائيل والاتفاقيات المُوقَّعة معها». ويَعتبر أن «من شأن خطوة كتلك، أن تقوّض جهود الفصائل لدخول المنظّمة بعد إصلاحها، بالتالي الحصول على تمثيل سياسي داخل بنية المؤسّسات الرسمية، ما يجبرها على البحث عن جسم بديل يمثّل الفلسطينيين عوضاً عن الأجسام القائمة».
ما جرى في اجتماع شباط مثّل قلْباً للثوابت التاريخية القائمة على كوْن السلطة إحدى مؤسّسات المنظّمة


بدوره، يلفت المحلّل السياسي المحسوب على حركة «حماس»، مصطفى الصواف، إلى أن «قوانين منظّمة التحرير تجعل بشكل تلقائي كلّ شخص في الشعب الفلسطيني عضواً فيها، بالتالي لا يستطيع أحد لا في حياة عباس ولا بَعده أن يصادر هذا الحق من أحد»، لكنه يستدرك في حديثه إلى «الأخبار»، بأن «المنظّمة مختطَفة الآن من قِبَل فريق أوسلو، والانضمام إليها مسألة وقت ضمن برنامج وطني جامع...»، مشيراً إلى أن «الذي يمنع دخول حماس والجهاد حالياً، هو خضوع قيادة الشعب الفلسطيني لإملاءات الغير». أمّا حسن لافي، وهو كاتب ومحلّل سياسي مقرَّب من حركة «الجهاد الإسلامي»، فيؤكد أن «الفصائل في غزة بدأت بتشكيل موقف موحّد لمرحلة ما بعد عباس»، غير أنه يتحدّث عن وجود تباين في المواقف من «حلّ الدولتين» خصوصاً بين التنظيمات اليسارية والإسلامية، كما أن الأولى مسكونة بما يسمّيه «بعبع البديل، بديل عباس، وبديل السلطة». ويقول لافي لـ«الأخبار» إن «حماس والجهاد لديها أسئلة صعبة، فمثلاً هل تَقبل الجهاد أن تكون جزءاً من دولة الـ67؟ وهل سيعترف العالم بالجهاد مثلاً كعضو في المنظّمة إذا لم تعترف بحدود الـ67؟ (...) من يريد أن يرتّب الأمور بعد عباس لا يريد غزة حاضرة في هذا الترتيب». ويضيف أن «الأمر له علاقة بكيفية الدخول إلى المنظّمة؛ مثلاً، إذا اعترفت حماس والجهاد بقرارات الرباعية الدولية كما طلب منها أبو مازن سابقاً، فسيكون الدخول ميسّراً، لأنه سيجرّ الفصائل إلى مربّع الواقعية السياسية المنافي لشعارات التحرير، فالأزمة هي مع البرنامج السياسي لمنظّمة التحرير والاتفاقيات التي وقّعتها».