يجبِر تزاحم الأخبار والإشاعات حول صحّة عباس، الشارعَ الفلسطيني على الخوض في جدليّة فترة رئاسته وما بعد خروجه من المشهد، لاسيما أن تلك الأنباء، التي يضطرّ عباس، في كلّ مرّة، من أجل نفيها، إلى تعمُّد الظهور في خطاب تلفزيوني أو لقاء مصوَّر تُخترع المناسبات الرسمية لأجله، لم تَعُد مقتصرة على بعض المواقع والصحف، بل تصدّرت وسائل إعلامية بحجم «بي بي سي». ووفقاً لمنير الجاغوب، وهو الناطق السابق باسم حركة «فتح»، فقد نُشر خبر وفاة «أبو مازن» 65 مرّة خلال ثلاث سنوات، وهي أخبار تعاطى معها الشارع بفضول لم يخلُ من الدعابة؛ فعباس، كما يراه وسيم يحيى وهو طالبٌ جامعي، «ليس جمال عبد الناصر لنشقّ على موته أثوابنا تفجّعاً وحزناً». أمّا الشاب مهند مزهر، فله رأيٌ مغاير؛ إذ يقول إنه «على رغم أن عباس جعل كلّ خصومه أعداء، وكلّ منتقديه معارضة، لكن مشكلتنا جميعاً، كانت قبل عباس وبَعده، فالاتحاد الأوروبي يرفض دعم السلطة بسقفها الوطني الحالي الذي يمثّله عباس، ويبحث عن تعويم شخصية تلبّي طموحاته السياسية، لذا، جرى تعويم حسين الشيخ». وبنبرة تشاؤمية، يرى الناشط «الفتحاوي»، حسام المدهون، من جهته، أن «الوضع بعد غياب عباس عن المشهد السياسي، لن يكون وردياً»، متوقّعاً أن «نَدخل في حالة فراغ وصراع داخلي فتحاوي كبيرة جدّاً، فحجم الاستقطاب وصل إلى حدّ الذروة، ولا بدّ من تهيئة الأجواء الداخلية لفتح، عبر عقد المؤتمر الثامن، لتسمح بنقل السلطة بشكل سلس».بدوره، يرى المحامي محمد المصري أن الأنباء التي لا تكاد تنقطع عن مصير عباس، تعني أنه يجري حالياً الترتيب لنقل إرثه، الأمر الذي يطرح جملة من الأسئلة الصعبة حول آلية انتخاب الرئيس، متسائلاً: «هل سيتولّى عزيز دويك الرئاسة، علماً أن المجلس التشريعي حُلّ بقرار من عباس مختلَف على قانونيّته (...) يجب على الجميع أن يكون شريكاً في تنصيب رئيس جديد عبر صندوق الانتخابات»، في حين يعتقد الصحافي «الحمساوي»، محمد العيلة، أن كلّ الأنباء التي تتحدّث عن تصدير شخصية حسين الشيخ، هدفها هو «قتل فرص الشيخ في وراثة الرئيس». ويقول العيلة: «ما يحدث هو حرق لحسين الشيخ وليس تهيئة له، فأعضاء اللجنة المركزية في فتح يعرفون أنه لا يَصلح كخيار منتخَب أو شعبي، وإنّما بالتعيين خلسة في غرف مغلقة، كما حدث يوم تنصيبه أمين سرّ اللجنة التنفيذية للمنظّمة».
الفصائل لا تستطيع أن تمارس دوراً سلطوياً في واقع الضفة الأمني المعقّد


وفي قراءة قانونية للمشهد الرسمي ما بعد عباس، يرى المحامي عمران أبو مسامح أن السيناريو الأكثر منطقية هو تولّي رئيس المحكمة الدستورية العليا، المستشار محمد الحاج قاسم، تسيير أمور السلطة، إلى حين عقْد انتخابات رئاسية وتشريعية، بينما لا ينظر إبراهيم عبد الهادي، وهو أحد موظّفي الأجهزة الأمنية في غزة، إلى حياة عباس أو موته إلّا من زاوية مصير رواتب أمثاله. ولذا، فهو يتمنّى أن لا تحمل مرحلة ما بعد «أبو مازن» أيّ عراقيل تمنع صرف رواتب 70 ألف موظّف يعيشون في القطاع، قائلاً: «في أيّ تغيير، نشعر بأن رواتبنا على المحكّ (...) رزقنا هو المهمّ، أمّا الشخصية التي ستَخلف أبو مازن، فلن تكون أفضل منه».

خيارات الفصائل
«في الضفة، لا يمتلك أحد خطّة بديلة»، يقول الباحث في شؤون الفصائل الفلسطينية، محمد رمضان، مضيفاً في حديثه إلى «الأخبار» أن «الفصائل في وضعها الحالي في الضفة، لا تمتلك المقوّمات التي تقدّمها كبديل في حالة انهيار السلطة والاقتتال على زعامتها، كما لا تمتلك الشخصية القيادية التي يمكن أن تنوب محلّ الرئيس». ويعتقد رمضان أنه «على رغم كلّ خطاب الفصائل التصعيدي ضدّ عباس، لكن الأزمة ليست في شخصه، المشكلة في الشروط الأوروبية والإسرائيلية التي يجب أن تتوافر في كلّ شخصية ستجلس على كرسيّه عقبه، أبو مازن على كلّ مساوئه، أمر واقع حافظ على حدود استراتيجية وفرّط في التكتيك والسلوك، لكن السقف الأميركي والإسرائيلي والإقليمي سيكون أكثر طمعاً في مَن يَخلفه».
ويرى الناشط السياسي، جواد ضرغام، من جهته، أنه «في ظلّ غياب البديل، وعدم الجاهزية لمرحلتَي ما بعد عباس أو ما بعد السلطة، فإن الفصائل التي لا تستطيع أن تمارس دوراً سلطوياً في واقع الضفة الأمني المعقّد، ستجد نفسها بحاجة إلى إعادة إنتاج السلطة من جديد». ويَعتبر ضرغام، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «عباس أعاد التجربة العرفاتية، فهو رجل كلّ شيء، المنظّمة والسلطة وحركة فتح والمجلس الوطني، ولا يمكن لأيّ شخصية متوافرة على الساحة أن تشغل كلّ أماكنه في ذات الآن، كما أنه لا يوجد كيان بديل للسلطة يمتلك منطلقات وطنية وسلوك حُكم وسياسة مقبولاً، يمكن أن يشغل محلّها». ويضيف: «لا يوجد فصيل يمارس المقاومة بشكل فعلي، يَقبل أن يَحكم في بيئة يستطيع جيش الاحتلال تطويق عاصمة قرارها في دقائق معدودة، فأمام مَن يَقبل الحُكم في الضفة خيارَين: إمّا أن يصبح حكومة مطارَدة تقود حالة ثورية، وإمّا أن يتحول إلى مقاول خدمات أمنية ومدنية لدى الاحتلال كما هي حال السلطة الآن».