لا تزال سيناريوات اليوم الأوّل بعد شغور منصب الرئيس الفلسطيني غير مكتملة، في ضوء اختلافات واختلالات قانونية تُعقّد أيّ عملية توريث، على الرغم من تقدُّم عضو «اللجنة المركزية لحركة فتح»، حسين الشيخ، عدّة خطوات لتثبيت نفسه خلَفاً للرئيس محمود عباس، عبر منحه عضويّة «اللجنة التنفيذية لمنظّمة التحرير» وتكليفه أمانة سرّها. ومن خلال الواقع الذي تعيشه السلطة والحركة والمنظّمة، يمكن الحديث عن عدد من السيناريوات المحتملة، والتي تتداخل فيها المعطيات الفلسطينية والإقليمية والدولية، مع ما تستبطنه من محاولات لفرض إملاءات. ويتمثّل السيناريو الأول في اللجوء إلى القانون الأساسي الفلسطيني الذي ينصّ على تعيين رئيس المجلس التشريعي رئيساً لمدّة 60 يوماً، يتمّ من بعدها إجراء انتخابات رئاسية، إلّا أن هذا السيناريو عملت «فتح» خلال السنوات الماضية على استبعاده عبر قرار عباس حلّ المجلس، حتى لا يتولّى رئيسه، عزيز الدويك، القيادي في حركة «حماس»، منصب الرئيس طيلة تلك المدّة.في المقابل، اشتغلت «فتح» على التمهيد لسيناريو بديل يتمّ من خلاله التحايُل على السيناريو الأول، عبر اعتبار «المجلس الوطني» بمثابة المجلس التشريعي. إذ تمّ في العام 2019 تفويض صلاحيات الأخير للأوّل، وهو ما يعني أن روحي فتوح، الذين عُيّن العام الماضي رئيساً لـ«الوطني»، سيقوم بدور الرئيس في حال غياب عباس. وفي هذا الإطار، تخطّط «فتح» للدفع نحو تفسير قانوني تتولّاه المحكمة الدستورية العليا التي شكلّها «أبو مازن» عام 2020، على نحو يقضي بأن رئيس «الوطني» هو المقصود بتفويض الصلاحيات بعد حلّ «التشريعي»، فيما لا يزال احتمال تولّي رئيس «الدستورية»، محمد الحاج قاسم، الرئاسة مؤقّتاً، وارداً. لكن قيادات «فتح» تخشى من أن الذهاب إلى انتخابات رئاسية جديدة قد يؤدّي إلى تصعيد مرشّح يدعمه منافسوها، وبخاصة «حماس» و«الجهاد الإسلامي» و«الجبهة الشعبية»، فيما لا تزال معضلة قطاع غزة حاضرة في ظلّ سيطرة «حماس» عليه. وهنا، تُطرح أفكار من قبيل استثناء القطاع من الانتخابات الرئاسية وقصْرها على الضفة الغربية بحجة عدم القدرة على إجرائها، أو تعيين حسين الشيخ لقيادة السلطة والمنظّمة عبر عقْد اجتماع لـ«المجلس الوطني» (بهدف منحه الشرعية من خلاله)، ومن ثمّ التعذُّر باستحالة إقامة الانتخابات في ظلّ استمرار منع إقامتها في مدينة القدس من قِبَل الاحتلال، وهو العُذر نفسه الذي رفعه عباس لإلغاء الانتخابات التشريعية والرئاسية في نيسان 2021. كذلك، ثمّة سيناريو آخر يطرحه بعض الأطراف داخل حركة «فتح»، متمثّل في عقْد جلسة للمجلس المركزي للتصويت على تغيير جديد في القانون الأساسي الفلسطيني، يصبح النظام السياسي بموجبه نظاماً برلمانياً، وعليه تُنقل كلّ صلاحيات الرئيس إلى رئيس الحكومة، ويبقى مكان الرئيس شاغراً إلى حين إيجاد حلّ له، مع تحويله إلى منصب فخري.
في اليوم التالي، ستَدخل القاهرة وعدد من الأطراف العربية في وساطة بين أجنحة «فتح» نفسها


في مقابل تلك السيناريوات، تلوح إمكانية توافق الشيخ وماجد فرج وجبريل الرجوب على تقاسُم المناصب الثلاثة التي يَجمعها عباس حالياً، بحيث يكون الأوّل رئيساً لـ«اللجنة التنفيذية لمنظّمة التحرير» ومرشح «فتح» لرئاسة السلطة أيضاً، ويتولّى الثاني قيادة الحركة، فيما تُوكل إلى الأخير رئاسة جهاز المخابرات العامة ومعها الملفّ الأمني. وعلى الرغم من أن هذا السيناريو يُعدّ الأفضل بالنسبة إلى الدائرة المُقرَّبة من عباس، وبخاصة الشيخ وفرج، والأقلّ إضراراً بـ«فتح» أيضاً، إلّا أن ثمّة تحذيرات من أنه سيجعل الرئيس المقبل منقوص الشرعية. ومن هنا، يتقدّم سيناريو الفوضى، حيث لن يستطيع «أبو تالا» السيطرة على «فتح»، وسيدخل في نزاع مع عدّة شخصيات داخل «اللجنة المركزية» للحركة وبخاصة جبريل الرجوب وتوفيق الطيراوي ومحمود العالول الذين يرون أنهم الأحقّ بالمناصب القيادية التي يمهّد الشيخ وفريقه للحصول عليها. ومن بين تلك النزاعات الممكنة، يَبرز خصوصاً احتمال الصدام بين الشيخ والرجوب، وهو ما لا ترغب فيه المنظومة الأمنية في دولة الاحتلال، كونه قد يؤدّي إلى عودة جزء من حركة «فتح» إلى المقاومة المسلّحة، فضلاً عن تفجير الأوضاع في الضفة، وتهشيم دور الأجهزة الأمنية الفلسطينية.
وبين هذا وذاك، يسود اعتقاد بأنه في اليوم التالي للإعلان عن وفاة عباس، ستَدخل القاهرة وعدد من الأطراف العربية في وساطة بين أجنحة «فتح» نفسها، وبينها وبين بقيّة الفصائل، بهدف التوصّل إلى حلّ توافقي، إلّا أن موقف «حماس» و«الجهاد» و«الشعبية» سيشكّل عائقاً أمام ترجيح عدد من السيناريوات التي يطرحها «الفتحاويون»، فيما سيكون الموقفان الأميركي والإسرائيلي محوريَّين في تحديد هويّة الرئيس المقبل، الذي سيجد نفسه مكبَّلاً باشتراطات تحتّم عليه الاعتراف باشتراطات «الرُباعية الدولية».