من جديد، يُثبت تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» أن التصعيد المستمر هو سمته الأبرز. منذ عام على الأقل، والتنظيم لا يلتقط أنفاسه، ولا يترك للمنطقة فرصةً لالتقاطها. ذروةٌ جديدة أعلنها أمس أبو محمد العدناني، المتحدث الرسمي باسم التنظيم، وتمثلت بـ«إعلان الخلافة الإسلامية»، واختيار أبو بكر البغدادي «خليفة للمسلمين في كل مكان».
«المؤسسات الإعلامية» التابعة لـ«الدولة» نشرت أمس كلمة صوتية مسجّلة للعدناني، حملت عنوان «هذا وعد الله». وأعلن فيها أن «الدولة الإسلامية ممثلة بأهل الحل والعقد فيها، من الأعيان والقادة والأمراء ومجلس الشورى، قررت إعلان قيام الخلافة الإسلامية، وتنصيب خليفة للمسلمين ومبايعة الشيخ المجاهد (...) عبد الله إبراهيم بن عواد (...). وقد قبل البيعة، فصار بذلك إماماً وخليفة للمسلمين في كل مكان». ومهّد المتحدث لإعلانه بمقدمة طويلة، عدّد فيها «إنجازات الدولة»، ومسوغات إعلان «الخلافة»، بعدما صارت «تقام حدود الله. وقد سُدت الثغور، وكُسرت الصلبان، وهُدمت القبور، وفُكت الأسارى بحد السيف (...). وقد عينت الولاة، وكلفت القضاة، وضُربت الجزية، وجُبيت أموال الفيء والخراج والزكاة (....). ولم يبق إلا أمر واحد، واجب كفائي تأثم الأمة بتركه، ألا وهو الخلافة، واجب العصر المُضيع».

من حلب إلى ديالى

وتبعاً للمستجدات، قرر التنظيم أن «يلغى اسم العراق والشام من مسمى الدولة في التداولات والمعاملات الرسمية، ويقتصر على اسم الدولة الإسلامية، ابتداءً من صدور هذا البيان». وتابع: «ها هي راية الدولة الإسلامية، راية التوحيد عالية خفاقة مرفرفة تضرب بظلالها من حلب الى ديالى».
كذلك بدا لافتاً أن العدناني لم يأتِ في كلمته الطويلة (33 دقيقة) على ذكر الاسم الذي اشتهر به البغدادي منذُ صعود نجمه (أبو بكر)، وأشار إليه بلقب «الخليفة إبراهيم»، ما يعني أنه الاسم الذي سيبدأ التنظيم بالترويج له في المرحلة الجديدة. العدناني «نبّه المسلمين الى أنه بإعلان الخلافة صار واجباً على جميع المسلمين مبايعة ونصرة الخليفة إبراهيم حفظه الله». وأعلن «بطلان شرعية جميع الإمارات والجماعات والولايات والتنظيمات التي يتمدد إليها سلطانه ويصلها جنده». كذلك عدّد «فضائل» البغدادي، مؤكداً أنّ «الخليفة إبراهيم تتوفر فيه جميع شروط الخلافة التي ذكرها أهل العلم».
وجرياً على عادة التنظيم، لم تخلُ كلمة متحدثه من الوعيد الذي عُهد عنه، مبطّناً حيناً، وواضحاً ومباشراً حيناً آخر. فوجّه «رسالة إلى الفصائل والجماعات على وجه الأرض»، مؤكداً لـ«القادة والأمراء» عدم وجود «عذر شرعي في التخلف عن نصرة هذه الدولة». وخاطب «جنود الفصائل والتنظيمات» بالقول «بعد هذا التمكين وقيام الخلافة بطلت شرعية جماعاتكم وتنظيماتكم. ولا يحل لأحد منكم يؤمن بالله أن يبيت ولا يدين بالولاء للخليفة»، رافعاً بذلك الشرعية عن كل المجموعات، ما يستوجبُ في مرحلة تالية قتال «من لا يبايع الخليفة» منها. وهنّأ المتحدث «جنود الدولة بهذا الفتح المبين»، وأكّد لهم أنهم «مقبلون على ملاحم يشيب لها الولدان، وفتن وابتلاءات مختلفة الألوان، ومحن وزلازل لا ينجو منها إلا من رحم الله». واستبقت الكلمة أيّ احتمالٍ لمحاولة انشقاق مستقبلية داخل التنظيم، داعياً إلى «شق رأس كل من يحاول شق الصف». وخاطب «جنود الدولة» بالقول «إن من أعظم أسباب هذا النصر تكاتفكم، وعدم اختلافكم. وسمعكم وطاعتكم لأمرائكم. (...) إياكم إياكم وشق الصف، ومن أراد شق الصف فافلقوا رأسه بالرصاص وأخرجوا ما فيه كائناً من كان».
ولم تخل الكلمة من ذكر «الدماء والجماجم»، فاختتمت بالقول «لقد سكبنا لأجلها أنهاراً من دمائنا، وأسسنا قواعدها من جماجمنا، وبنينا صرحها على أشلائنا. أخذناها بحد السيف قهراً...».
ورغم أن الخطوة الجديدة لم تكن مفاجئة، لكن الإقدام عليها يفتحُ الباب أمام مرحلة جديدة تنطوي على كثير من التداخلات. فهي تُمهد لمعارك جديدة يبدو التنظيم عازماً على خوضها، ضدّ من «يرفض البيعة» في مناطق «الخلافة». ما يُنذر بالمزيد من استعار «الحرب الأهلية الجهادية». كما في مناطق جديدة في مرحلة تالية هي مرحلة «توسيع النفوذ».
مصدر «جهادي» أكد لـ«الأخبار» أنّ «المتخلفين عن المجاهرة بالبيعة يجري عليهم حكم المرتدين، وبالتالي لا مناص من قتالهم». وأوضح المصدر أنّ «ولاة الدولة، وأمراءها في الولايات والقواطع، مفوّضون أخذَ البيعة للخليفة إبراهيم. كما تُقبل بيعات المجموعات والأفراد خارج أراضي الخلافة، سواء المُعلنة منها أو غيرها». وأضاف «إن للمبايعين خارج أراضي الخلافة الحالية أحكاماً خاصةً بهم. ولا تشترط لقبول بيعاتهم المجاهرة بها في الوقت الحالي. لما فيه خيرهم، وخير الخلافة. إذ سيكون لهؤلاء الإخوة دورٌ كبير في المراحل القادمة، مراحل الفتوحات الجديدة ومدّ نفوذ الخلافة». وشدّد المصدر على أنّ «إعلان الخلافة هو تتويج لمرحلة سابقة، وتمهيدٌ لمرحلة جديدة. ووالله لن نضعَ السيف حتى ترفرف رايات الخلافة، وبيارق التوحيد في مشارق الأرض ومغاربها».



«الشيشاني» إلى جوار العدناني

استبق «إعلان الخلافة» بـ«إصدار مرئي» حمل عنوان «كسر الحدود»، نشرته «مؤسسة الاعتصام» وتمّ تداوله على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وظهر أبو محمد العدناني في الشريط بعد إخفاء ملامحه، حيث أعلن أن «مقاتلي الدولة قاموا بإزالة الحدود التي فرقت بين الدول الإسلامية ومزقت الخلافة». وظهر القائد العسكري في تنظيم «دولة الإسلام» عمر الشيشاني (الصورة) جنباً إلى جنب مع العدناني، في خطوة تدلّ على المكانة المتقدمة التي بات الشيشاني يحظى بها داخل التنظيم، وخاصة أن ظهوره لم يقتصر على مقاطع يُجاور العدناني فيها، ويُشاركه في «إزالة حدود سايكس بيكو»، بل تعداها إلى إدلائه بكلمةٍ تلت كلمة العدناني. وقال الشيشاني بلغته الأم: «نحن اليوم سعداء لأننا نشارك فى إسقاط الحدود التي وضعها الطواغيت (...)». وأضاف: الحمد لله بدأنا في المرحلة النهائية بعدما تفرقت الأمة. آن لأبناء الدولة الإسلامية وللأمة أن تدافع عن الدولة الإسلامية في العراق والشام، وتدافع عن إمامنا الذي اجتمع ضده كل العالم بقوته، ولكنه لم يتراجع أي خطوة».
وخاطب الشيشاني «المجاهدين الآخرين في خراسان، والقوقاز، واليمن، والصومال، ومالي، وليبيا، وأندونيسيا، وبورما، وكينيا، وفي كل مكان». وقال «يا إخواني، عندما تسمعون عن انتصاراتنا افرحوا لوجه الله لأن إخوانكم انتصروا وازدادوا اقتراباً من شرع الله ومن الخلافة».