بغداد | اعتصمت القوى السياسية العراقية بالصمت إزاء استقالة نواب الكتلة «الصدرية» من مجلس النواب، مُفضّلة التريّث في إطلاق مواقف من الحدث، أقلّه بشكل رسمي، نظراً لما سيكون له من تأثير كبير على مسار العملية السياسية في البلد، وتداخلاتها الإقليمية والدولية، خاصة وأن الدول المعنيّة بالمسألة العراقية تمهّلت هي الأخرى في تحديد مواقفها ممّا جرى (عادت وصدرت مساء أمس مواقف متحفّظة، أعرب بعضها عن القلق من الفوضى، فيما طالب بعضها الآخر باستمرار الحوار من أجل تشكيل حكومة شراكة موسّعة). ويوحي كلّ ذلك بأن البلد يقف على عتبة تحوّل كبير يتّسق مع ما هو حاصل في المنطقة من اصطفافات على خلفيّة تعثّر المفاوضات النووية مع إيران، والاختراقات الإسرائيلية في الخليج. على أيّ حال، الاستقالة قُبلت وصارت نافذة، والخطوة التالية الطبيعية، بحسب رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، هي أن يَخلف كلَّ نائب مستقيل مَن حلّ بَعْده بعدد الأصوات، علماً أن لا حاجة إلى تصويت برلماني على الاستقالة، بالنظر إلى أن هكذا إجراء مخصَّص لثلاث حالات فقط، الأولى هي الطعن في صحّة العضوية، والثانية هي الإخلال الجسيم بقواعد السلوك الانتخابي، والثالثة هي تجاوز النائب حدّ الغيابات المسموح به. أمّا حلّ البرلمان وإجراء انتخابات جديدة، فيتطلّب استقالة نصف أعضاء البرلمان البالغ عددهم 329 نائباً زائداً واحد.وبدا الحلبوسي مستعجلاً طيّ صفحة الاستقالة، والمُضيَّ في العملية السياسية المسدودة منذ الانتخابات قبل ثمانية أشهر، بسبب إصرار زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، على تشكيل حكومة غالبية تستبعد الفريق «الشيعي» المعارض له، معلناً أن «الخطوات القادمة قد تمضي سريعاً. ونسعى إلى تشكيل حكومة تتحمّل القوى السياسية مسؤولية مخرجاتها وإدارتها وسيبقى التقييم أمام الشعب». ولم يكن شريكا الصدر في «تحالف إنقاذ وطن»، أو ما عُرف بـ«التحالف الثلاثي»، معه دائماً في الإصرار على تشكيل حكومة من هذا النوع، لا سيما بعدما اتّضح أن السبل الدستورية مسدودة أمام التحالف للمضيّ في هكذا خيار، نتيجة عدم امتلاكه غالبية الثلثين التي تُمكّنه من توفير نصاب برلماني لانتخاب رئيس للجمهورية، لكي يصار بعد ذلك إلى اختيار رئيس للحكومة من الكتلة البرلمانية الأكبر.
الحلبوسي يستعجل طيّ صفحة الاستقالة والمُضيّ في العملية السياسية


ويُعرب القيادي في «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، وفاء محمد كريم، في تصريح إلى «الأخبار»، عن اعتقاده بأنه «بعد تقديم الصدريين الاستقالة من البرلمان، ستكون العملية السياسية معقّدة جدّاً، وتحالف إنقاذ وطن سيكون في انفكاك»، لافتاً إلى أنه «قبل الاستقالة، كانت هناك مكالمة هاتفية من الصدر إلى مسعود بارزاني، وأيضاً إلى خميس الخنجر والحلبوسي، حيث أبلغهم بأنه عازم على تقديم هذه الاستقالة، وأنه يعطي الحركة الكاملة للتحالف في السير في الطريق الذي يختاره، وبعد ذلك جاء الردّ من بارزاني بأنه يحترم قرار الصدر». ويوضح أن هناك «ثلاثة خيارات نستطيع السير بها: إمّا أن ننضمّ إلى العملية السياسية وتشكيل حكومة مع الإطار التنسيقي ومع تحالف السيادة، وإمّا أن نكون معارضة، أو نقدّم الاستقالة إذا استطعنا أن تشمل الاستقالة النصف زائداً واحداً، وحينها لا بدّ من حلّ البرلمان، ويحتاج الأمر إلى قرار من بارزاني مع الخنجر والحلبوسي، لكي يتمّ اتّخاذ أحد هذه الخيارات المهمّة».
ما يبدو واضحاً، إلى الآن، هو أن القوى السياسية العراقية تتهيّب الآتي؛ فقادتها يعرفون الصدر جيداً، ويعلمون أنه لم يستقِلْ ليتنحّى عن السياسة، وأنه سيلجأ حتماً إلى تحريك الشارع لكي يحاول أن يفرض من خلال قوّته على الأرض، ما لم يستطع فرضه بالقانون. لكن المخيف في الأمر هو أن القوى المعارضة له في الصفّ «الشيعي»، والمنضوية ضمن «الإطار التنسيقي»، تُوازيه من حيث القوّة الشعبية، وهو ما يولّد خشية لدى كثيرين في العراق من أن يؤدّي ذلك إلى صدامات في الشارع بين الطرفَين.