«بعد اليوم الخمسين، يفقد الأسير المضرب عن الطعام أكثر من خمسين في المئة من جسده. عندها، يصبح معرّضاً للموت نتيجة هبوطٍ في القلب». هكذا يشرح منشورٌ إلكتروني مأساة الأسرى الفلسطينيين في سجون العدو الصهيوني، إلا أن الصمت لا يزال على حاله. لا يهتم أحدٌ بشأن الأسرى الفلسطينيين. ليس هناك من يحكي بشأنهم أو يهتم لأمرهم. فما لهم إذاً سوى الأمل بأن تكون عملية الاختطاف الأخيرة للجنود الصهاينة الثلاثة سبيلاً لخروجهم. لا يهتم أبو مازن وسلطته للأسرى البتة. لا يوقفون شيئاً لأجلهم، لا يحتجون، لا ينفعلون، لا يفاوضون حتى على ظروف وأسباب اعتقالهم.. تستمر حياتهم، أي حياة أهل السلطة، عاديةً للغاية، في حين تذوب أجساد الأبطال الشامخين ببطء مجرم. يبدو أنهم ليسوا بحاجة إلى شيء من الرجل الذي قال منذ أيام إن الجنود الصهاينة المختطفين هم «بشر، ويشبهون الفلسطينيين»!

لكنه لم يحدد هل يشبهون الفلسطينيين المضربين عن الطعام في سجون الاحتلال أم الفلسطينين الشهداء بنيرانه، أم ممن هدمت بيوتهم جرافات الاحتلال؟ لا يعرف أحدٌ ما كان يقصده الرجل، وأزعم أن لا أحد يهتم بذلك أيضاً. على الجانب الآخر، لا يهتم زعماء التنظيمات الأخرى بالأسرى وبعذاباتهم، اللهم إلا بإصدار بعض بيانات رفع العتب المستنكرة والخجلى. لا أنشطة سوى تلك التي تضم عشرة أشخاصٍ لا أكثر. لا تحركات شعبية، لا تجمعات لا تنتهي، لا شيء! يترك الأسرى وحدهم في بيداء الأخلاق، في أرض العدالة الجرداء.. عراة إلا من كرامتهم وأملٍ بالخروج بقوة السلاح لا أقل. وفيما يمر الوقت يرتفع قمرهم، ويضيء، أكثر فأكثر. قبل أيام أعيد الأسير المحرر سامر العيساوي إلى الأسر، ليجاور ــ ربما ــ شقيقته شيرين، وهو أمرٌ بات عادياً في هذه العائلة الفلسطينية البطلة. أمهم علّقت بكل رقة وشجاعة: «لم يمر عليّ عيدٌ منذ أكثر من عشر سنواتٍ اجتمعت فيه مع أولادي جميعهم على طاولة طعام واحدة». هكذا هي حياة عائلات الأسرى. هل يعرف القادة ذلك؟ هل يهتمون بهذا الشأن؟ حينما سيخرج أبطالنا من سجونهم، سيهرع من لا أسماء لهم ويتصورون معهم، ربما ليأخذ بعضهم «السيل في» (أي كاميرا التلفون) معهم، فيتصور إلى جانبهم ثم ينشر الصورة على فايسبوك متباهياً بأنه شارك في إخراجهم! إلا أننا نعرف ــ ويعرفُ هو نفسه ــ بأنَّه ليس أكثر من طفيلي يشبه المحتلين السجانين أنفسهم! بعد اليوم الخمسين، يقبع أسرانا في صومهم وصمتهم وصبرهم. يقاومون بكل ما أوتوا من قوة. تصمت كل الأشياء، ويصغي القلب: نبضة نبضة، هكذا يرسم الشهداء طرقهم بأيديهم، بأيديهم وحدها فحسب!