لماذا نشرت إسرائيل أسماء وصور من قالت إنهما متهمان بتنفيذ عملية أسر المستوطنين الثلاثة وهما ينتميان إلى حركة «حماس» ويقطنان بالقرب من الخليل؟ مهما تكن الإجابات التي قدمتها أو ستقدمها المؤسسة الرسمية في تل أبيب، أو حتى المعلقون الإعلاميون، المؤكد أن العامل الأول والمؤثر في بلورة قرار كهذا هو استخباري. على ضوء ذلك، فإن أي اعتبارات أخرى يجري تداولها في الساحة الإسرائيلية على ألسنة مسؤولين رسميين أو خبراء أو معلقين إعلاميين، بقدر ما يظهر أنها واقعية ومهما تكن أهميتها، فإنها كلها تأتي في مرتبة تلي البعد الأمني.
على هذا، يمكن القول إنه ليس بمقدورنا أن نعرف ما هي المعلومات الفعلية التي بحوزة الأجهزة الإسرائيلية، لكن يبدو مرجحاً في هذه المرحلة أن تلك الأجهزة لا تملك أي معطيات جدية تسمح لها بالوصول إلى المستوطنين وإنقاذهم. المؤشر الأكبر على هذا الاستنتاج أنه لم يجر إنقاذهم حتى الآن، فضلاً عن أن المبادرة إلى نشر أسماء وصور من قالت إنهم متهمون تعزز هذه الفرضية.
مع ذلك، ينبغي تأكيد ضرورة الانتباه إلى احتمال التضليل، وهو أمر يبقى حاضراً بقوة في تفسير أي موقف تقدم عليه الأجهزة الإسرائيلية عامة و«الشاباك» خاصة الذي يفترض أن له كلمة الفصل في السماح، وربما الطلب، بنشر أسماء وصور «المتهمين»، كما تعزز التجارب السابقة حضور هذا الخيار ولو نظرياً.
على ضوء ما تقدم، يبدو أن نشر صور وأسماء كل من مروان القواسمي وعامر أبو عيشة يهدف إلى تحقيق أحد الأهداف الأمنية، ومنها الرهان على أن يؤدي ذلك إلى توفير معلومات عن أماكنهما أو تحركاتهما. مثلاً يبادر أحدهم مقابل إغراءات مفترضة إلى إبلاغ الإسرائيليين عن مشاهدة أحدهما في زمان ومكان معينين.

آثار استخبارية
للسماح للإعلام
بنشر تفاصيل المنفذين
أيضاً، قد يكون الهدف دفع منفذي عملية الأسر، أكانوا الاثنين اللذين أعلنت أسماؤهما أم غيرهم إلى ارتكاب أخطاء جراء الضغط عليهم نفسياً، أو إيهامهم بتصورات تدفعهم إلى الشعور بأنهم معروفون ومكشوفون. في المرتبة التالية، يمكن الحديث عن أبعاد أخرى لنشر الاسمين، كأن يسمح ذلك لإسرائيل بتوظيف هذا الإعلان على المستوى الدولي أو في مواجهة السلطة الفلسطينية، إضافة إلى رسائل تتصل بالداخل الإسرائيلي.
ضمن المستوى الدولي، تحاول حكومة الاحتلال الإيحاء بأن ما أعلنه رئيسها بنيامين نتنياهو قبل أيام عن أدلة ملموسة لم يكن إلا نتيجة معطيات جدية وصحيحة. وعليه، فإن اتهامها «حماس» لم يكن إلا على خلفيات مدروسة ومسبقة. يأتي هذا ضمن تعزيز المشروعية الدولية للحملة العسكرية التي تشنها إسرائيل في مواجهة فصائل المقاومة، وفي مقدمها «حماس» في الضفة.
أما في مواجهة السلطة، فتحاول إسرائيل حشر رئيس الأولى محمود عباس في موقف صعب بعدما تذرع لرفض تلبية مطالبها (نقض المصالحة مع حماس) بأنه لا وجود لأي دليل على فعل الأخيرة هذه العملية. ففي أعقاب الإعلان، رغم أنه لم يتضمن ما يثبت صحة الاتهام، باتت إسرائيل ترى أن عباس ملزم «بفك التفاهم مع حماس» الذي يمثل أحد الأهداف السياسية للحملة العسكرية. بل بات مطلوباً بشدة للقيادة السياسية والأمنية في تل أبيب مقابل الفشل الاستخباري والعملاني. كذلك هذا الإعلان يثبت مسؤولية السلطة عن تنفيذ العملية لجهة أن المقاومَين انطلقا من المنطقة الخاضعة للسيطرة الفلسطينية الكاملة، وبما أن أبو مازن يعارض العملية ويندد بها، عليه أن يعمل من أجل اعتقالهما.
لجهة الرسائل الداخلية، وبعد الإخفاق في إنقاذ المستوطنين، رغم مضيّ نحو أسبوعين على العملية، لم يعد غريباً الحديث عن بداية تبلور ضغط شعبي على الحكومة التي تمارس بدورها ضغوطاً على «الشاباك» والجيش لتحقيق نتائج سريعة. هذا نفسه ما لفت إليه المعلق العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، لذلك «يحاول نتنياهو بالإعلان الأخير توجيه رسالة إلى الجمهور مفادها أننا لا نتلمس في الظلام، والدليل على ذلك أننا نعرف من نفذ عملية الأسر»، والإيحاء بأن المطلوب «المزيد من الوقت وسنصل إلى المتهمين».
رغم ذلك، يرى معلق الشؤون الحزبية في صحيفة «هآرتس»، يوسي فيرتر، أن ورطة نتنياهو تكمن في تصدع التحالف داخل معسكر اليمين بسبب القلق على مصير المستوطنين المختفين والعمل من أجل استعادتهم، كما ينظر إلى أن مشكلة رئيس الوزراء أن خصومه سيستغلون صفقة شاليط التي اعتبرها إنجازاً كبيراً له «لتصبح مصدر اتهام بالمسؤولية عن استمرار محاولات اختطاف مستوطنين إسرائيليين». وأضاف فيرتر: «بعد أسبوعين على العملية، لم يعد شركاء نتنياهو يقفون احتراماً للعمل والقائد، ولا يركضون لتنفيذ كل نزواته».
ويقدم فيرتر نموذجاً على ذلك هو إعادة اكتشاف رئيس البيت اليهودي، اليميني المتطرف، نفتالي بينيت «مساوئ وسلبيات صفقة غلعاد شاليط التي كان نتنياهو قد نجح في العودة على أجنحتها إلى ديوان رئاسة الحكومة»، معتبراً أن «العملية مهدت في واقع الحال لعمليات الاختطاف اللاحقة ولمحاولات قتل إسرائيليين، من بينهم الضابط، تومر مزراحي قبل عامين تقريباً»، وقد أعلنت إسرائيل أن منفذها أسير محرر ضمن صفقة شاليط.
ما يفاقم أزمة نتنياهو أن البدائل أمامه للتعويض والتغطية على اختفاء المستوطنين محدودة، لذلك يرى المعلق في «هآرتس» أن الأول «غير قادر على إشعال حرب بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة، ولن يشن هجوماً على إيران». بناءً عليه، «كل ما تبقى له الهجوم اللاذع على الرئيس الأميركي، باراك أوباما، وهو الذي دفعه إلى التركيز خلال جلسة كتلته البرلمانية الأخيرة على الملف الأميركي والمفاوضات الإيرانية ـــ الغربية، وتحسّن العلاقات الإيرانية ـــ الأميركية على خلفية أوضاع العراق».