القاهرة | حالة من الكر والفر شهدتها شوارع مصر خلال الأيام الماضية بسبب «ملصق زجاجي» يدعو إلى الصلاة على النبي محمد. إذ لم تكتف وزارة الداخلية بمنعه فحسب، بل فرضت غرامة مالية على من يضعه، ما ساهم، بطبيعة الحال، في انتشاره على نطاق أوسع وصل إلى المنازل ومحطات المترو وأبواب الصيدليات والمخابز وغيرها.
«هل صليت على النبي اليوم؟»، «لا إله إلا الله»، وغيرها من الملصقات التي ملأت شوارع القاهرة والإسكندرية من دون أن يُعرف من الذي يضعها. لكن الروايات المتداولة عن ظهورها لا تختلف كثيراً عن أشياء مشابهة ظهرت في أوقات سابقة، إذ جرت العادة أن يوزع الملصق «صدقة على روح أحد الموتى لنيل الثواب»، وفقاً للتقاليد المصرية المعتادة في حالات الوفاة. إضافة إلى توزيع المصاحف والأطعمة.
انتشار مثل هذه العبارات، دفع مساعد وزير الداخلية اللواء عبد الفتاح عثمان إلى التعهد بـ«القضاء التام» على الملصق الذي وصفه بأنه يحمل توجهاً طائفياً، لافتاً إلى أن القانون يجرم استخدام أو تعليق أي ملصقات أو علامات في السيارات. كما خصصت إدارة مرور الإسكندرية حملات إعلامية لنزع الملصق، وفرضت غرامة 30 جنيهاً (يقارب 6 دولارات)، كما جرت الإشارة إلى اتهام الدعوة السلفية بالمسؤولية عن هذا الملصق، لأنه ظهر في معقلها الإسكندرية.

تعهد مساعد
وزير الداخلية بالقضاء التام عل ملصق «صلبي على النبي»

«حرب الملصقات» لم تتوقف عند وزارة الداخلية وسائقي السيارات وجدران الشوارع، بل امتدت لتضمّ ممثلي الأزهر الشريف والسلفيين والإخوان المسلمين، كل وفق رؤيته. في هذا السياق، يقول نائب رئيس الدعوة السلفية، ياسر برهامي، إن الدعوة وحزب النور ليس لهما أي علاقة بالملصق المنتشر في الشارع، مرجعاً انتشاره إلى قبوله جماهيرياً بين الناس، «وليس لأي اعتبارات سياسية أخرى». ورأى في حديث مع «الأخبار» أن قرار الداخلية تسبب بحالة من الاحتقان الشديد داخل فئات الشعب، «لأنه هدف إلى مصادمة الناس في مشاعرهم الدينية، ما يعطي زخماً لمن يروجون أن السلطات المصرية تحارب الدين».
رئيس قسم الفقه المقارن في جامعة الأزهر، سعد الدين الهلالي، خالف رأي برهامي، وقال إن «الملصق تجارة في الدين، تستهدف تفكيك المجتمع وتقسيمه طائفياً»، في مقابل أن عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، صفي أبو زيد، نسب الهدف وراء كل ما أثير عن الملصق إلى «إلهاء الناس جراء مخططات مخابراتية يراد بها صرفهم عن التصدي للانقلاب ومواجهة جرائمه».
بعيداً عن تلك التوصيفات، يضع الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، مصطفى زهران، المشكلة في أنها «لا تظهر في انتشار الملصق لأنه إحدى صور التدين المصري التقليدي، بل في رد فعل السلطة وتورطها في معركة غير مبررة». وأضاف لـ«الأخبار»: «المتغير الواضح في المشهد السياسي والمجتمعي بعد الثالث من تموز الماضي هو الدور السياسي الجديد والصاعد للمؤسسة الدينية الرسمية التي برز انحيازها الواضح للسلطة ومجابهتها كل من هو معارض لها».
زهران يستدل بمواقف أخرى للمؤسسة الدينية؛ منها «تقديم التبريرات الشرعية التي برزت بوضوح في أزمة الصلاة على النبي. لكن المثير للجدل الحقيقي هو التصريحات التي وصفت الرئيس عبد الفتاح السيسي ووزير الداخلية محمد إبراهيم برسولين ابتعثهما الله لإنقاذ مصر من مروّجي الملصق».
ويرى مراقبون آخرون أن «ظاهرة الملصق» أمر طبيعي، ولا يجب تضخيمها بالقول إن جماعة الإخوان تقف وراءه بهدف إحداث فتنة. من هؤلاء مدرس الطب النفسي في جامعة الزقازيق، الدكتور أحمد عبد الله الذي قال إن غالبية المصريين يميلون إلى مفهوم التجسيد، «فالمسلمون والمسيحيون هنا مولعون بالرموز الدينية الخاصة بهم، وهو أمر ليس جديداً. كما يتجلى في ظاهرة الملصق، وتحوله إلى أيقونة يظن ناشرها أنه أدى ما عليه من فروض والتزامات دينية».
وبمقتضى كلام عبد الله، فإن محاربة السلطة الملصق وإصدارها قرارات منعه وملاحقته «هي دوران في حلقة مفرغة من السطحية، كأنها تبحث عن إثبات وجودها بالتصدي، لكن ذلك ساهم في انتشاره بهذا الشكل من باب إغاظة الشعب للسلطة التي رآها الشعب تنشغل في أشياء تافهة بعيداً عن المشكلات الحقيقية والعميقة التي يعانيها المصريون». وخلص في حديثه إلى «الأخبار» بالقول إن «ما يجمل حالة البؤس العميق التي وصل الناس إليها هي المفارقة ما بين شعب اختزل دينه في ملصق، وحكومة انشغلت بمحاربة هذا الملصق».