دمشق | «كحزام أخضر يزنر عروساً في أجمل أيامها كانت غوطة دمشق المزهرة تحيط بعاصمة الشرق». هو احساس وصفه أحد ثمانينيي العمر الهارب مما رآه «جحيم الثورة» في الغوطة الشرقية للعاصمة. هرب الرجل وابنه الناشط الاعلامي المعارض «بطريقة لم يفصح عنها» من المنطقة قبل أيام بعد احتدام الصراع بين الفصائل المسلحة التي لم تفرّق، بحسب تعبيره، بين مدني وعسكري، أو بين طفل وشيخ.
تتخذ المواجهات الآن في الغوطة خطين متوازيين، وإن التقت المصالح بينهما فهما لا يلتقيان. الاول هو العمليات العسكرية التي يستمر فيها الجيش السوري معتمداً على قصف متواتر لمواقع معينة. الآلية التي يقصف بها الجيش توحي بخرق كبير في صفوف «الجيش الحر» و«جبهة النصرة». الخرق أكدته مصادر عدة في المعارضة المسلحة، إذ تحدثت عن نجاح استخباري للجيش بتجنيد «عملاء» له من عسكريين في الفصائل المقاتلة، يزودون آمر المدفعية باحداثيات عن مراكز المسلحين، ويحدّدون مواعيد حضور القيادات.
أما الخط الثاني، فهو الشرخ العميق بين الجماعات المسلحة وما نتج من اقتتال عنيف فيما بينها. خلال الاسبوع الماضي، كانت الضبابية تغلب على الاقتتال، فالكل مسلح واللباس متشابه. قد تتنوع اللهجات لكن الرصاص لم يفرّق بين فصيل واخر.
تسارعت الأيام ليصبح المشهد أكثر دموية بين المسلحين من «جيش الاسلام» وبعض مقاتلي «الجيش الحر» من جهة، ومقاتلي «داعش» من جهة أخرى، فيما يقف مقاتلو «النصرة» بين الطرفين.
يقول مناف، الناشط الاعلامي الهارب مع أبيه: «بدأ داعش بمدّ نفوذه في المنطقه، خطف عشرة مقاتلين من جيش الاسلام، قطع رؤوس ثلاثة منهم وأسر الباقين. نشبت الاشتباكات العنيفة. في اليوم الأخير قبل هروبنا هاجم جيش الاسلام أحد الابنية التي اتخذها داعش مقراً له في مسرابا. الهجوم جرى بثلاث سيارات دوشكا ودبابة ومدافع ٢٣»، وتصدى عناصر داعش، الذين يصفهم مناف بـ«الاشداء الفاقدي العقل»، للهجوم، الذي أدى إلى قتلى واصابات بين الطرفين.
«الناشط» يرى أنّ «المعركة بين داعش والجيش الحر لم تبدأ بعد، فالطرفان يتنازعان على المصالح والجغرافيا والمكتسبات، وتنهكهما ضربات مدفعية الجيش السوري التي لا تفرق بينهما».
وبحسب مناف، فإن عدد مقاتلي «داعش» في الغوطة يراوح «بين ٥٠٠ و٨٠٠ مقاتل، معظمهم من جنسيات عربية»، فيما يزيد بقليل عدد وعديد مقاتلي القائد العسكري لـ«الجبهة الاسلامية» زهران علوش. ويصف مناف علوش بـ«الخمسيني العمر، السعودي الولاء، القادر على التحدث لساعات بلغة عربية فصيحة. رجل يخاف السير وحده حيث يصلي الجمعة بمرافقه كتيبة قوامها عشرات الرجال متنقلاً بعربة bmb».
ويتشارك مناف مع أبيه ختام الحديث بالقول: «المدنيون هم الخاسر الاكبر من الحرب في الغوطة الشرقية، هنالك اطفال يأكلون الخبز العفن واطفال يموتون جوعاً وعطشاً. المواد بعضها متوافر، لكن الاسعار اقرب إلى ضرب المُزاح. كيلوغرام السكر يتجاوز سعره ٢٢٠٠ ليرة سورية، وتجارالحروب باختلاف توجهاتهم يزيدون موتنا موتاً».
«هل ستحدث ثورة للمدنيين في الغوطة ضد جيوش داعش وجبهة النصرة وجيش الاسلام»؟ صمت مطبق في القبو بعد السؤال... ينفخ الأب دخان لفافته الورقية قائلاً: «لو عدنا ثلاث سنوات إلى الوراء لكان الامر مُختلفاً».