دمشق | لم تشهد الجولة الثامنة من اجتماعات اللجنة الدستورية السورية، وفق المسار المدعوم من الأمم المتحدة للحلّ في سوريا، أيّ خرق حقيقي للمشهد القائم، على الرغم من حالة الهدوء التي سادت جلسات المجموعات المصغّرة (15 ممثلاً عن الحكومة السورية، و15 عن المعارضة، و15 من المجتمع المدني يُعرفون باسم الثلث الأوسط)، خلال الأيام الأربعة الماضية في جنيف. وتكاد النقطة الوحيدة التي اتّفق عليها المجتمعون هي تحديد موعد الجلسة المقبلة في الربع الأخير من شهر تموز، بالإضافة إلى العمل على تحويل الاجتماعات إلى شهرية. وجاء هذا الاجتماع بعد إصدار الرئيس السوري، بشار الأسد، مرسوم العفو عن المتورّطين في قضايا تتعلّق بـ«الإرهاب» باستثناء من تسبّب بموت إنسان، وهو ما قدّم دفعة إيجابية لعمل اللجنة. وناقشت الجلسات المحاور الأربعة التي اتّفق عليها المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، مع الوفود قبل عقد الجولة، وهي: «الحفاظ على مؤسّسات الدولة وتعزيزها» المُقدّم من قِبَل وفد الحكومة، و«الإجراءات القسرية الأحادية الجانب من منطلق دستوري» الذي قدّمه ثمانية أعضاء من وفد المجتمع المدني، و«سموّ الدستور وتراتبية الاتفاقيات الدولية» الذي طرحه وفد المعارضة، بالإضافة إلى مبدأ «العدالة الانتقالية» الذي اقترحه سبعة أعضاء من وفد المجتمع المدني. وخلال الاجتماعات، أُفسح المجال لكلّ وفد لتقديم ورقته ومناقشتها، كما تمّ تسريب بعض الأوراق إلى وسائل الإعلام، الأمر الذي حوّل الجلسات إلى منابر لطرح الأفكار، من دون وضع أيّ أساس توافقي أو أرضية يمكن البناء عليها، خصوصاً أن المقترحات قُدّمت كخطوط عريضة، وفي مواضيع متباعدة غير مرتبطة. ومع ذلك، يمكن اعتبار الأجواء التي سادت الجولة الثامنة استمراراً لحالة الهدوء التي شهدتها سابقتها في آذار الماضي، والتي ناقشت أربعة محاور هي: أساسيات الحكم، وهوية الدولة، ورموز الدولة، وتنظيم ومهامّ السلطات العامة.
الملاحَظ في هذه الجولة الاهتمام الأميركي الواضح بمجرياتها


الملاحَظ في هذه الجولة الاهتمام الأميركي الواضح بمجرياتها، استمراراً للاهتمام الذي أولته واشنطن سابقاً لعمل «الدستورية»، إذ أجرى مساعد وزير الخارجية الأميركي، إيثان غولدريتش، سلسلة لقاءات على هامش الاجتماعات، مع بيدرسن، والمبعوث الإيطالي الخاص إلى سوريا، بالإضافة إلى رئيس وفد المعارضة أنس العبدة. ويتزامن النشاط الأميركي على هذا المسار مع مساعي واشنطن لتمديد العمل بقرار إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود وخطوط التماس، والذي تنتهي مفاعيله في شهر تموز المقبل، وسط رفض روسيا تمديده، بسبب مخاوفها من استعمال هذه المساعدات في تقديم دعم للفصائل «الإرهابية»، إضافة إلى الأثر السياسي التقسيمي الذي تكرّسه تلك الآلية، وفق تصريحات مسؤولين روس.
أيضاً، تزامنت اجتماعات الجولة الثامنة مع تصعيد سياسي وميداني تركي في سوريا، في ظلّ رغبة أنقرة في استثمار التوتّر الدولي السائد على خلفية الحرب الروسية على أوكرانيا، لقضم المزيد من الأراضي السورية قرب شريطها الحدودي، ضمن مناطق تسيطر عليها «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) المدعومة أميركياً، والمستبعَدة من اجتماعات «الدستورية». كذلك، تأتي هذه الجولة بعد إجراء أنقرة تغييرات في هيكلية «الائتلاف السوري» المعارض، حيث تمّ استبعاد عدد من الشخصيات المحسوبة على قوى دولية بعينها، وتخفيض تمثيل «الإخوان المسلمين»، بالإضافة إلى تشكيله وفق آلية تسهّل لأنقرة التحكّم به. ولعلّه يمكن لكلّ ما تَقدّم أن يفسّر جانباً من جوانب الهدوء الذي يَظهر خلال الاجتماعات، وتكثيف النشاط على خطّ «الدستورية»، وإعطاء وقت أطول لطرح المحاور التي تتمّ مناقشتها، بما أدّى إلى زيادة عدد أيام كلّ جولة إلى نحو أسبوع بدلاً من أربعة أو خمسة أيام، بالإضافة إلى تقريب الفترات الفاصلة في ما بينها.
وعلى أيّ حال، لم تنجح اجتماعات «الدستورية»، التي وصلت إلى جولتها الثامنة حتى الآن، في وضع أرضيّة حقيقة يُبنى عليها لحلّ الأزمة السورية سياسياً، وهو أمر يبدو أنه ما زال بعيد المنال في ظلّ التسخين المتواصل لميادين الصراع في سوريا، ضمن محاولات استثمار الحرب السورية من أطراف عديدة، أبرزها واشنطن التي تريد ترسيخ حالة الانقسام القائمة، وأنقرة الساعية لشرعنة احتلال مناطق حدودية، واستثمار هذا الاحتلال في الدعاية الانتخابية الرئاسية، بالإضافة إلى ارتباط الحرب السورية بالتوتّر والانقسام الدوليَّيْن على خلفية الحرب الأوكرانية.