رام الله | لم تمرّ «مسيرة الأعلام» الإسرائيلية بهدوء، مقارنةً بالأعوام التي سبقت معركة «سيف القدس». وفي ظلّ مناخ مهيّأ للتصعيد، تفاعلت الضفة الغربية مع القدس بسرعة قياسية، فيما كان الاستنفار الإسرائيلي على أشدّه في البلدة القديمة ومحيطها، من أجل تأمين اقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى صباحاً و»مسيرة الأعلام» مساءً. وعلى رغم الإغلاق المسبق والقمع الإسرائيلي المفرط واقتحام المستوطنين للأقصى مرّتَين (صباحاً وظهراً)، إلّا أن ما بين 2500 إلى 4000 مرابط نجحوا في الوصول إلى الحرم لمواجهة المستوطنين الذين رفعوا الأعلام الإسرائيلية مرّات عدّة، ونفّذوا «السجود الملحمي» وطقوساً تلمودية أخرى بشكل جماعي وغير مسبوق داخل الأقصى. استفزازات قابلها الشبّان برفع العلم الفلسطيني، وبمواجهات متنقّلة ما بين أزقة البلدة القديمة وداخل الأقصى، الذي وصف خطيبه، الشيخ عكرمة صبري، ما حدث من قمع وانتهاكات من قِبَل جنود الاحتلال ومستوطنيه، بأنه «لم يحدث منذ احتلال القدس عام 1967». ووفق إحصائية، حصلت عليها «الأخبار»، فإن العدو اعتقل 45 فلسطينياً على الأقلّ (حتى الساعة السادسة مساءً) من المسجد الأقصى، ومحيط البلدة القديمة.وفي القدس، لم يقف الفلسطينيون مكتوفي الأيدي؛ إذ هاجم الشبّان مستوطنين برشّ غاز الفلفل عليهم أثناء قيامهم بالاعتداء على رفاقهم. ومع وصول «مسيرة الأعلام» إلى باب العَمود والتشديدات الإسرائيلية لمنْع رفْع العلم الفلسطيني، ابتكر شاب فكرة جديدة بإطلاق العلم بواسطة طائرة تصوير مسيّرة، فارتفع فوق تجمّع المستوطنين. وسجّلت القدس والضفة الغربية ما لا يقلّ عن 40 نقطة مواجهة مع جيش الاحتلال والمستوطنين، فيما لم تخلُ أيّ محافظة في الضفة من نقطة مواجهة شعبية، وهي شهدت خمس عمليات إطلاق نار بدأت داخل مخيّم الدهيشة في بيت لحم، قبل أن تنتقل إلى مفرق زيف جنوب الخليل، كما أطلق مقاومون النار في اتجاه حاجزَي بيت فوريك وحوارة في نابلس. وأصيب 8 إسرائيليين في المواجهات، وفق إحصائية لـ»الأخبار»، على النحو الآتي: حارس عضو كنيست العدو ميري ريغيف، الذي أصيب بعد إلقاء شبان الحجارة في منطقة باب العَمود، جنديان إسرائيليان أحدهما من قوّة المستعربين بعد إلقاء عبوات محلية الصنع في مخيّم الدهيشة، ومستوطن آخر أصيب في حوارة جنوب نابلس بالحجارة خلال محاولته إنزال علم فلسطين، كما أصيب ثلاثة عناصر من شرطة الاحتلال، وأحد عناصر قوة المستعربين خلال مواجهات في شارع صلاح الدين وسط القدس.
وانطلقت عشرات الفعاليات ضمن حملة «رفع العلم الفلسطيني» في مختلف المحافظات الفلسطينية وعدد من مخيّمات الشتات. وفي قطاع غزة، انطلقت مسيرات شعبية ووقفات في المحافظات. ويشير مراقبون إلى أن قيادة الفصائل الفلسطينية في غزة، فضّلت فحص جهوزية الجبهات الأخرى خارج القطاع، كالضفة والقدس والداخل وإفساح المجال أمامها للمواجهة، وهذا يفسّر أحد أسباب عدم ردّها المباشر على «مسيرة الأعلام»، فيما يرى مراقبون آخرون أن العدو يمتلك هدفاً أو خطة وأوراق لعب يريد استثمارها في انتظار ردّ المقاومة، مستدلّين على ذلك بالثقة العالية غير المسبوقة في تصريحات كل القادة الإسرائيليين على اختلاف تياراتهم بخلاف المسيرات الإسرائيلية السابقة (قبل أشهر فقط، قمعت شرطة العدو مسيرة مستوطنين ومنعتها من الوصول إلى باب العَمود خشيةً من ردّ المقاومة في غزة).
مرت مسيرة الأعلام الإسرائيلية دون عملية كبيرة أو صواريخ من غزة، لكنها لم تمرّ دون مقاومة ومواجهات. في رأي البعض، يُمثّل هذا تراجعاً للمقاومة، لكنّ آخرين يرَون أن المسيرة شهدت، هذا العام، أحداثاً غير مسبوقة. فقبل معركة «سيف القدس»، كانت «مسيرة الأعلام» تمرّ كيوم أمس، لكن تداعياتها كانت تقتصر على القدس وحدها، وفي أحيان كثيرة لم تندلع مواجهات في المدينة، بينما امتدت المواجهات، هذه السنة، لتغطّي الضفة وأراضي الـ 48 المحتلّة والقدس، وهو ما يدلّ على اتّساع معادلة «وحدة الساحات والجبهات».