ينفخ الشاب محمد حميدة في آلة «اليرغول» التي صنعها من أغصان نباتات الغاب أو القصب البرّية (البُوص) المُنتشرة في وادي عزبة في بيت حانون شمال قطاع غزة، مُطرِباً سامعيه بالأنغام الشعبية والتراثية الفلسطينية. يعيش حميدة (20سنة) في منزل متواضع في بيت حانون، وتتألّف عائلته من 8 أفراد يعيلهم من صُنع آلات «اليرغول» وبيعها، علماً أنه ترك المدرسة منذ سنوات، وعمل في الكثير من المهن لتأمين مستلزمات أُسرته وسط الظروف الاقتصادية الصعبة السائدة في غزة، لكنّه أحبّ «اليرغول» وحَلَم باستخدامها للعزف.يقول حميدة، لـ«الأخبار»: «أستيقظ كلّ صباح مع شروق الشمس، وأقصد مَزارع بيت حانون التي تضمّ نبات البُوص، فأنتقي الأغصان القوية التي قد تجرح يدي، وهو أمرٌ اعتدت عليه، علماً أن قصّ البُوص يحتاج إلى قوّة كبيرة، لذا أستخدم آلة للقطع ثمنها 5 شيكلات (1.60 دولار)، وهذا مصدر رزقي الوحيد لأنني لا أجد أيّ عمل آخر». ويبيّن أن «نبات القصب سريع التشبّع بالماء، فهو يتشرّبه في وقت قياسي، وعندما يجفّ يحتاج إلى حفر بسيط في حشوته الفلينية الداخلية بواسطة أسياخ حديدية خاصة، وعند الانتهاء من التجويف، يتمّ إغلاق أحد طرفَي اليرغول بسدّة خشبية صغيرة مثقوبة بثقب صغير لغرض دخول الهواء». ويضيف أن «عدد الفتحات في المزمار الواحد هو ستٌّ علوية تُوضع عليها الأصابع لإصدار الأصوات».
ويُشير محمد إلى أن «الأغنية التراثية الفلسطينية ارتبطت ارتباطاً كبيراً بالآلات الموسيقية الشعبية، والآلات الموسيقية الشعبية قديمة في فلسطين قِدَم التاريخ نفسه، ويستعملها الفلسطيني مع كلّ رقصة أو أغنية، ومن هذه الآلات اليرغول أو ما يُعرف بالمجوز، وهدفي الحفاظ على الأغنية الشعبية من الاندثار». ويَلفت إلى أن «اليرغول من آلات النفخ الموسيقية، وهي من أقدم الآلات التي عرفها التاريخ نظراً إلى بساطتها وسهولة استخدامها، ويُقال إن الطبيعة هي أوّل من اكتشفتها، حيث إنّ هبوب الرياح كان يساعد على إصدار أصوات معيّنة في أيّ قطعة من نبات الغاب أو القصب المجوّفة». وإذ يشبّه الكثيرون آلة اليرغول بالناي على صعيد الشكل، يشرح حميدة الفرق بينهما بالقول: «تُنتِج اليرغول ألحاناً أعلى من خلال النفخ القوي، وهي أقصر من الناي على صعيد الطول، وتختلف نغماتها عن الناي في السلّم الموسيقي». ويلجأ محمد إلى طُرُق عدّة لبيع اليرغول، بينها عرضها أمام الناس، لكن العديد من أبناء الجيل الجديد لا يعرفون هذه الآلة.
يعزف حميدة الألحان الفلسطينية والفولكلور الشعبي والأغاني الشامية والتركية، وقد لاحظ من خلال بحثه في الإنترنت عن أغانٍ وألحان تُعزف على اليرغول، أن شعوب منطقة بلاد الشام وتركيا هي الأكثر استخداماً لهذه الآلة. ويؤكد أن «مهاراته في العزف تطوّرت بشكل كبير، إلى درجة أن الكثيرين أصبحوا يتعلّمون منه، ويتجمّعون في بلدة بيت حانون ليُرافقوه في العزف». ويَعتبر أن عزفه يروّح عن نفوس كثيرين، خصوصاً عند شاطئ البحر، وخلال فصل الصيف ووقت الغروب، «وهي المواقع والفترات الأفضل للعزف». ويلفت إلى أنه «كان يرفض في البداية تلقّي مال من الناس الذين يستمعُون إلى عزفه، ويعتقدون بأنه يفعل ذلك للحصول على مال، وعندما تَكرّر هذا الموقف أصبح يضعُ الآلات إلى جانبه كي يفهم الناس أنه يريد بيعها». ويختم حديثه بالقول: «أطمح دائماً إلى الحصول على دخْل جيّد من البيع، في فصل الشتاء يقلّ الدخل، أمّا في أيّام الإجازات، حيث يتواجد الناس لفترات طويلة، فأحرص على قضاء ساعات لتعويض البيع، وأطمح إلى احتراف عزف اليرغول، وأريد أن أنضمّ يوماً إلى فرق معروفة في التراث الفلسطيني، حتى أعزف وأحسّن دخْلي».