تمكّنت المقاومة من تصدير صورة إعلامية مدروسة، أبرزت تحكّماً عميقاً بعناصر الميدان
وفي الساعات الأخيرة من عمر الحرب، كان نتنياهو قد اجتمع بـ70 سفيراً دولياً في مقرّ وزارة الدفاع في تل أبيب، حيث ظهر كَمَن يبرّر استمرار الحدث من دون وجود غايات قابلة للتحقيق. حينها، كانت طائرات الجيش قد استنفدت كلّ ما لديها من أهداف محتملة، بعدما دمّرت أبراجاً ومربّعات سكنية بأكملها أملاً في النجاح في اغتيال محمد الضيف، أو مروان عيسى، أو يحيى السنوار، وقصفت شوارع وبنىً تحتية لتدمير شبكة الأنفاق، مستخدِمةً لأوّل مرّة سلوك الحزام الناري لقطْع وسائل الاتصال التي تظنّ أن المقاومة قد بنتها. كلّ ذلك علّق عليه شمعون شفير، وهو كاتب إسرائيلي مشهور، في مقال نشرته آنذاك صحيفة «يديعوت أحرونوت» بقوله: «لا تبحثوا عن صورة الانتصار، رغم التدمير فإن قصف الصواريخ سيستمرّ حتى ساعة الإعلان عن وقف النار... حماس أحيت الهوية الفلسطينية ونحن أخطأنا».
في مقابل ذلك، تمكّنت المقاومة من تصدير صورة إعلامية مدروسة، أبرزت تحكّماً عميقاً بعناصر الميدان، ولم تنخدع بالدعاية الإسرائيلية التي شاركت فيها وسائل إعلام عربية حول نيّة العدو اجتياح القطاع برّياً، وأفشلت بذلك «خطّة المترو» التي كان يُراد منها القضاء على مئات عناصر المقاومة داخل أنفاقهم. كما حافظت، طوال أيام الحرب، وخصوصاً عقب انتهاء كلّ جولة جوّية، على «ريتم» مدروس، تعمّدت من خلاله إهانة العدو، عبر تحديد ساعة إطلاق معيّنة لدفعات كبيرة من الصواريخ، ومن هذا ما ردّت به المقاومة على تدمير برج الجلاء في اليوم الخامس من العدوان، حين خاطب الناطق العسكري باسم «كتائب القسام» سكّان تل أبيب بقوله: «بعد قصف البرج المدني في غزة، على سكان تل أبيب والمركز أن يقفوا على رجلٍ واحدة وينتظروا ردّنا المزلزل».