بغداد | من أقصى الغرب حيث مدينة القائم الحدودية مع الأردن، مروراً بصلاح الدين في الوسط، وصولاً إلى ناحيتي جلولاء والسعدية في أقصى الشرق، وسّع تنظيم «داعش» نطاق سيطرته في العراق، ومن أقصى الشمال الغربي حيث بلدة تلعفر في الموصل، نزولاً إلى كركوك وأجزاء من ديالى وصولاً إلى أطراف بغداد، رسم التنظيم المسلّح ملامح دولته المفترضة. وأخذت خارطة نفوذ تنظيم «داعش» في العراق في الاتساع طولاً وعرضاً، وتتغير معها مناطق النفوذ بين ساعة وأخرى، مع تسارع الأحداث الأمنية وسيطرة الجماعات المسلحة على مناطق جديدة في وسط العراق وشماله، تقابلها انسحابات للجيش.

وباتت أغلب المناطق السنية في العراق تحت سيطرة «داعش»، إضافةً إلى مناطق شيعية في كركوك والموصل. وبعد سيطرة الجماعات المسلحة على بلدة تلعفر، التي يقطنها مزيج من التركمان السنّة والشيعة، بات التنظيم يسيطر على جميع المناطق في الموصل التي كانت تحت إدارة حكومة بغداد، وتركيزه منصب على المناطق التي تخضع لسيطرة قوات البشمركة الكردية، كسنجار وتلكيف والحمدانية وشيخان، في وقت تقاسم فيه الطرفان مناطق النفوذ في كركوك، حيث بسط عناصر «داعش» نفوذهم على قضاء الحويجة وناحيتي الرياض والرشاد، فيما أحكمت القوات الكردية سيطرتها على مركز المدينة والمناطق الكردية.
ويتخوف سكان ناحية تازة جنوبي كركوك، التي يقطنها التركمان الشيعة، من أن تتركهم قوات البشمركة لقمة سائغة بأيدي متطرفي «داعش»، والحال تنطبق كذلك على التركمان في قضاء طوزخورماتو جنوبي كركوك، الذي يتهدههم الموت بين لحظة وأخرى على أيدي عناصر التنظيم.
واستولى «داعش» على أكثر من 80 في المئة من أراضي محافظة صلاح الدين، التي تتوسط كركوك وبغداد، ابتدأها بالشرقاط ومن ثم بيجي فتكريت، فيما يحاول السيطرة على سامراء التي تضم مرقد الإمامين العسكريين، لكن أغلب محاولاته خلال الأيام الماضية باءت بالفشل بعد دفع القوات الحكومية بآلاف المتطوعين القادمين من وسط العراق وجنوبه للدفاع عن المدينة.
وفشل مسلحو «داعش» في دخول قضاءي بلد والدجيل جنوبي صلاح الدين ذات الغالبية الشيعية، وتمكنت القوات الحكومية، مدعومة بجيش المتطوعين في قضاء بلد، من صد هجمات «داعش» انطلاقاً من مناطق الإسحاقي والضلوعية والرواشد المحاذية للقضاء.
كذلك لم يفلح «داعش» في إيجاد موطئ قدم واسعة له في محافظة ديالى، على غرار صلاح الدين والموصل، فاقتصرت تحركاته على ناحيتي السعدية وجلولاء وأطراف المقدادية، في وقت أحكمت فيه القوات الحكومية، بالتنسيق مع تشكيلات فيلق بدر الذي أظهرت لقطات تلفزيونية قيادته للمعارك هناك، قبضتها على مركز المدينة ومناطق الكاطون ووسط المقدادية وأغلب مناطق العظيم، التي كان يتخوف من أن تكون ملاذاً لمسلحي «داعش»، نظراً إلى طبيعة المنطقة الصحراوية.
وفيما يحتدم القتال في مناطق الرمادي والفلوجة بين قوات الجيش و«داعش»، رجحت كفة المسلحين في مناطق غرب الرمادي مثل راوة وعنه والقائم التي سقط معبرها الحدودي بأيدي المسلحين بعد انسحاب عناصر الجيش من مواقعهم، إثر وساطة عشائرية أمّنت لهم طريق العودة.
وأثارت سيطرة المسلحين على معبر القائم الحدودي مع الأردن قلق السلطات الأردنية، وحشدت على الفور قطعاتها العسكرية على الحدود، وأرسلت قوات النخبة تحسباً لأي طارئ.
«داعش» لن يجرؤ على استفزاز الميليشيات داخل بغداد
يسعى داعش لإقامة دولته الإسلامية المفترضة، وابتدأها كمرحلة أولى من منطقة الرقة ودير الزور في الأراضي السورية والموصل والأنبار وصلاح الدين، وأجزاء من ديالى داخل الأراضي العراقية.
وحذرت إيران علناً من أي محاولة للمساس بالمقدسات الإسلامية في العراق، وأوصلت رسائل إلى أطراف إقليمية ودولية بأن حدودها البرية مع العراق يمكن أن تُفتح أمام الجيش الإيراني في حال ساءت الأمور.
وطلبت بغداد من واشنطن توجيه ضربات جوية لمعاقل التنظيمات المسلحة في العراق، إلا أن واشنطن متريثة في الطلب وفقاً لحسابات خاصة.
وكشف مصدر رفيع في السفارة الأميركية في بغداد لـ«الأخبار» أن استراتيجية واشنطن تعتمد على ثلاث أولويات؛ الأولى تقضي بمنع سيطرة «داعش» على بغداد وإسقاط الحكومة العراقية، والثانية تقوم على تشكيل حكومة عراقية تشعر السنّة والأكراد بأنهم ممثلون فيها تمثيلاً حقيقياً، من دون أن يعطي توضيحاً دقيقاً بشأن وجود المالكي على رأس الحكومة المقبلة من عدمه، والأولوية الثالثة تتمثل في البدء بالخيار العسكري لضرب معاقل «داعش» ودعم قطعات الجيش العراقي في تقدمه لتطهير المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في الوقت الحالي.
ويرى الخبير العسكري أحمد الشريفي أنه في ظل التحشيد العسكري الضخم على تخوم بغداد، وتزايد نشاط الميليشيات الشيعية المسلحة، فإن أي مغامرة من جانب «داعش» بالهجوم، حتى ولو من داخل العاصمة، ستكلفه إبادة للحواضن التي انطلق منها.
وتشكل نسبة السنّة القاطنين في العاصمة بغداد بحدود 30 في المئة من مجموع سكانها البالغ 7 ملايين نسمة.
ويعتقد الشريفي أن «داعش» لن يرتكب خطأً باستفزاز الميليشيات الشيعية داخل العاصمة، وسيلجأ إلى خيارات أخرى، بينها شن هجمات نوعية بعشرات السيارات المفخخة، تستهدف مناطق ذات كثافة سكانية من الشيعة، وكذلك دفع انتحاريين لمهاجمة مبان حكومية بأحزمة ناسفة، لإثارة الهلع والخوف لدى سكانها ودفعهم إلى مغادرة العاصمة.
ويكشف الشريفي أن الأولوية الآن في الخطة الحكومية هي لتأمين مناطق حزام بغداد وإجبار المسلحين على التراجع مئات الكيلومترات عن أطراف العاصمة بغداد.
لكن «داعش» يمكن أن يستفيد من الحواضن السنية التي تحيط بأطراف بغداد الموسومة بـ«حزام بغداد»، من اتجاهاتها الأربع، لخنق العاصمة وإقامة حزام ناري، وقطع خطوط التواصل والإمداد مع المحافظات الأخرى، لا سيما الجنوبية؛ فمن الشمال هناك مناطق المشاهدة والطارمية وأجزاء من التاجي، حيث يوجد نشاط للجماعات المسلحة في تلك المناطق، وفي الغرب يتحصن مسلحو «داعش» في مناطق أبو غريب والرضوانية والكرمة، أما من الجنوب فهنالك حواضن في عرب جبور والبو عيثة والدورة، والمدائن وحي الوحدة من جهة الشرق.
ومن المتوقع أن تبقى الأمور على حالها في الأنبار والموصل وصلاح الدين، من دون أي تمدد لطرف على حساب آخر، بانتظار قرار واشنطن بالدخول إلى جانب بغداد أو لا.