الحسكة | في الوقت الذي تصعّد فيه «الإدارة الذاتية» الكردية في وجه مشروع الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، القاضي بنقل نحو مليون سوري من الأراضي التركية إلى المناطق التي تحتلّها بلاده في سوريا، باعتبار ذلك تمهيداً لتغيير ديموغرافي واسع، تواجه هي نفسها اتّهامات بالسعي لإحداث تحوّلات مماثلة في المناطق التي تسيطر عليها، بذريعة التعداد السكاني. وشرعت «الذاتية»، يوم السبت الفائت، بتنفيذ هذا الإحصاء انطلاقاً من مدن المالكية والجوادية ورميلان ومعبدة واليعربية، عبر 450 فريقاً، مع إعلان حظر للتجوال، وإلزام السكّان بالبقاء في منازلهم، على أن تُستكمل المهمّة في مدن محافظة الحسكة كافّة، كمرحلة أولى. وتَستهدف العملية توثيق عدد الأفراد والعائلات، سواءً المقيمين أو المسافرين أو «الوافدين» والنازحين من مناطق أخرى، وعدد الموظّفين الحكوميين، فضلاً عن إحصاء الأملاك من عقارات وأراضٍ ومحالّ تجارية.وتلمّح «الذاتية»، منذ أكثر من عام، إلى سعيها لإجراء إحصاء عام للسكّان والممتلكات، تمهيداً لإجراء انتخابات كان من المزمع عقدها في الربع الأوّل من العام الجاري، إلّا أن ضغوطات أميركية أدّت إلى تأجيلها إلى حين إنجاز تفاهم كردي - كردي بين أحزاب «الذاتية» و«المجلس الوطني الكردي». ولاقى الشروع في إجراء التعداد رفضاً عربياً وكردياً؛ لاعتبارات عديدة على رأسها النظر إليه بوصْفه إحصاءً سياسياً، وهو ما يطعن في نتائجه. وتتّهم مصادر أهلية وعشائرية، في حديث إلى «الأخبار»، «الذاتية»، بـ«تنفيذ الإحصاء لغايات سياسية، على رأسها إبراز الهوية الكردية لمحافظة الحسكة، بعكس الواقع، حيث تشكّل العشائر العربية نحو ثلاثة أرباع سكّان المنطقة». وتستند المصادر في اتّهاماتها إلى «معاملة كافّة السكان الذين ينحدر قيدهم من خارج المحافظة، على رغم إقامتهم فيها منذ عشرات السنوات، معاملة الوافدين، بمَن فيهم أولئك الذين غُمرت أراضيهم بمياه سدّ الفرات في الرقّة، ويقطنون في الحسكة منذ سبعينيات القرن المنصرم». وتضيف أن «الذاتية لا تُعامل سكان عفرين وعين العرب ومناطق أخرى في ريف حلب على أنهم وافدون، ولا تطالبهم بأيّ وثائق، وهو ما يُعتبر ازدواجية في المعايير، وتمييزاً واضحاً»، مطالبةً الإدارة الكردية بـ«عدم القيام بخطوات تؤدّي إلى شرخ اجتماعي بين السكّان». بدوره، يَعتبر الأكاديمي الكردي، فريد سعدون، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الظروف التي تعيشها المنطقة من تهجير وتغيير ديموغرافي واحتلال ونزوح، لا تعدّ مثالية لإجراء هذا الإحصاء»، مضيفاً أن «هذه العملية يجب أن تُجرى أصلاً من قِبَل جهة شرعية معترَف بها، وفي منطقة معترَف بها داخلياً ودولياً»، لافتاً إلى أن «المجتمع الكردي منقسم بين طرفَين سياسيَين، وكلّ مَن يناصر الطرف الآخر لن يناصر الإحصاء، ولن يقدّم معلومات صحيحة للجهة المنظّمة له»، في إشارة إلى أنصار «المجلس الوطني الكردي».
يهدف الإحصاء إلى إبراز «هوية كردية» للحسكة بينما تشكّل العشائر العربية نحو ثلاثة أرباع سكّانها


في المقابل، نفت «الذاتية» الاتّهامات المُوجَّهة إليها، ودافعت عن الإحصاء بكونه خطوة تهدف إلى الحصول على قاعدة بيانات شاملة لسكّان المنطقة، «بعيداً عن أيّ هدف سياسي». وفي هذا السياق، قالت الرئيسة المشتركة لـ«مكتب التخطيط والإحصاء في الإدارة الذاتية»، بشرى شيخي، في تصريحات إعلامية، إن «الهدف من التعداد السكاني هو إنشاء قاعدة بيانات أساسية عن السكّان والمساكن، تساعد بدورها في تنفيذ خطط التنمية إلى جانب جمع ونشر المعلومات الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية والمهنية والصحية والخدمية للسكّان، بهدف توفير متطلّباتهم وتأمين احتياجاتهم». ويُتوقّع أن يلي الإحصاء إعلانٌ من «الذاتية» عن البدء بالإعداد لإجراء انتخابات لـ«المجالس المحلية» والمعروفة بـ«الكومينات»، و«مجالس المقاطعات»، و«مجلس الشعوب الديمقراطي»، وذلك استناداً إلى تجربة التعداد الذي أجرته «الذاتية» في عام 2016 - من دون أن تَصدر نتائجه حتى اليوم -، حيث تلاه تنظيم المرحلة الأولى من الانتخابات المحلّية عام 2017.