بغداد | يوحي استقبال طهران، قبل أيام، رئيس مجلس النواب العراقي، محمد الحلبوسي، بعد تحفّظ أوّلي، بإمكانية حلحلة الخلاف القائم بين التحالف الثُّلاثي العراقي، وبين إيران، التي يمثّل نفوذها نقطة الاعتراض الرئيسة للتحالف، بالإضافة إلى واقع القوى السياسية المتحالفة مع طهران، وخصوصاً فصائل المقاومة و«الحشد الشعبي». ولَربّما تمهّد الزيارة لتحقيق اختراق في جدار الأزمة، الناجمة عن رفض أطراف «الثُّلاثي»، والحلبوسي منهم، المشاركة في حكومة ائتلافية مع تلك القوى، وإصرارها على تشكيل «حكومة غالبية وطنية». الحلبوسي، رجل الأعمال الناجح الذي عرف كيف يحوّل نجاحه إلى استثمار سياسي جعله الرجل الأوّل داخل «المُكوّن السُّنّي» في العراق، في الوقت الذي يبحث فيه هذا «المُكوّن» عن إعادة صياغة دوره، يمثّل «عقدة المنشار» في التحالف الثُّلاثي الذي يضمّ إلى جانبه، زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، وزعيم «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، مسعود بارزاني، إذ لولا الحلبوسي لما كان التحالف قائماً، فهو من أمّن كتلة من 67 نائباً في «تحالف السيادة» باتفاقه مع الشريك الأصغر على الساحة «السُّنّية» خميس الخنجر، ليصبح لدى التكتّل الثلاثي مجتمعاً نحو 175 نائباً من أصل 329 مقعداً في البرلمان، إلّا أنه يبقى قاصراً كثيراً عن غالبية الثلثين (220 نائباً) الضرورية لاكتمال نصاب انتخاب رئيس الجمهورية، والذي من دونه لا يمكن تكليف رئيس للحكومة من الكتلة الأكبر، وبالتالي فتح العملية السياسية. ويقول القيادي في حزب «تقدّم» الذي يتزعّمه الحلبوسي، أحمد الفكاك، لـ«الأخبار»، إن «للمحيط الإقليمي بلا شكّ دوراً كبيراً في رسم معالم السياسة في العراق بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، وهذه التدخّلات لا تَخفى على أحد، سواءً في الداخل أو الخارج، وإيران من ضمن دول المحيط الإقليمي، ولها باع طويل في رسم السياسة العراقية، خصوصاً بعد تخلّي المحيط العربي عن العراق في سنوات الاحتلال الأولى»، مضيفاً أن «إيران ملأت الفراغ السياسي، ومن المعلوم أن وسط وجنوب العراق منطقة يقطنها المسلمون من أتباع المذهب الشيعي، وتشكّل تواصلاً مع إيران بحدود برّية طويلة، فضلاً عن وجود مراقد الأئمة في مدن العراق المقدّسة، وما يعنيه ذلك لأتباع المذهب في كلّ العالم». ويرى الفكاك أن زيارة الحلبوسي لها غايات وخلفيّات عديدة، أُولاها أن «جماعات الإطار التنسيقي ترتبط بعلاقات ممتازة مع القيادة الإيرانية، بما فيها قيادات الفصائل المسلحة، وثانياً لأن إيران تُعدّ لاعباً إقليمياً ودولياً مهمّاً وقوياً وخطيراً لأسباب معلومة ولا يمكن تجاوزها، وثالثاً لأن زيارة بعض قيادات الطيف السياسي العراقي لدول الجوار الأخرى مثل تركيا والسعودية والخليج استدعت ردود أفعال متباينة، ومن أجل أن يكون ثمّة توازن، لا بدّ من إجراء زيارات لغيرها مثل إيران، ورابعاً لأن الزيارة قد تحرّك الانسداد السياسي من خلال التوسّط والضغط على بعض الكتل للدخول في حوار وتفاهم مع الشركاء». أمّا عن الغاية من تعدّد انتماءات أعضاء وفد النواب المرافق للحلبوسي، ومن ضمنهم القيادي في «التيار الصدري»، حسن الكعبي، فتكْمن، وفق كلام الفكاك، في «إيصال وجهات النظر المتبادلة، ومحاولة نقل رسائل خاصة قد تكون مهمّة إلى بعض الشخصيات التي تحرّك الانسداد بطريقة معيّنة». ويَتوقّع القيادي العراقي أن تساهم هذه الزيارة ومخرجاتها في «استقرار العراق سياسياً وأمنياً».
الصدر هو الخاسر الأكبر من أيّ إعادة نظر في الأهداف الحالية للتحالف الثُّلاثي


بشكل أو بآخر، تُعتبر الزيارة، أيضاً، إقراراً من قوّة بارزة في مجلس النواب الجديد بمشروعية توجّس طهران من إمكانية استخدام التغيير الذي طرأ على الخريطة السياسية بموجب الانتخابات، لاستهداف أمن إيران، خاصة عبر الاحتلال الأميركي، أو التواجد السرّي الإسرائيلي في إقليم كردستان والذي تشير إليه دلائل كثيرة. لكنها في أدنى الأحوال، تؤشّر إلى وجود نيّة لدى الحلبوسي على الأقلّ، للبحث عن مخرج من الانسداد السياسي الذي نجم عن رفع سقف التحالف الثُّلاثي بشكل غير واقعي، ولا سيما أن هذا التحالف لم يستطع أن يحقّق الأهداف التي وضعها لنفسه، بالأدوات الدستورية التي يمتلكها، ولا سيما إيصال مرشح «الحزب الديموقراطي»، ريبر أحمد، إلى منصب رئيس الجمهورية، ومرشّح «التيار الصدري»، جعفر الصدر، إلى رئاسة الوزراء. ومن الطبيعي أن يكون الخاسر الأكبر من أيّ إعادة نظر في الأهداف الحالية لـ«الثُّلاثي» هو مقتدى الصدر؛ أوّلاً لأنه أكثر مَن أصرّ على المُضيّ في حكومة الغالبية، فيما كان طرفا التحالف الباقيان، «السُّني» و«الكردي»، منفتحَين على تسويات تفضي إلى تشكيل حكومة جديدة، وثانياً لأنه أراد بذلك استبعاد الطرف «الشيعي» الآخر كلّياً، في ما ظهر على أنه مشروع متكامل للاستئثار بحصّة «المُكوّن الشيعي» من الحُكم، وهي الأكبر، والسير بها، بالذات في ما يتعلّق بالسياسة الخارجية، عكْس الخط الذي اتّخذته أثناء ولايات الحكومات السابقة، ومن دون أخذ هواجس إيران في الاعتبار.
إزاء ذلك، يلفت القيادي في «تحالف الفتح»، غضنفر البطيخ، إلى أن «الزيارة تأتي فعلاً في وقت حرج جدّاً تمرّ به العملية السياسية، بعدما أرجأها الجانب الإيراني سابقاً»، عادّاً إيّاها «اعترافاً رسمياً من تحالف الغالبية بالدور الإيراني في السياسة العراقية، وأن شعار لا شرقية ولا غربية بعيد عن التطبيق على أرض الواقع، علماً أن القرار الإيراني هو مع مبدأ توافق كلّ القوى العراقية، وليس إقصاء طرف لمصلحة طرف آخر». ويضيف البطيخ أن «إيران ترى أن جزءاً من مشروع التحالف الثُّلااثي هو تقويض دورها ونفوذها في العراق، ومن هنا فالزيارة بالتأكيد هي لطمأنة طهران بما يشمل تعهّدات بإقامة علاقات حسن جوار وتبادل مصالح». ويرى القيادي العراقي أن «أيّ زيارات كهذه بالتأكيد تساهم في إرساء الاستقرار، شريطة أن تُطبَّق الاتفاقات والضمانات والتعهّدات»، لافتاً إلى أن «إيران لديها حلفاء في الداخل العراقي لا يمكن أن تقبل إقصاءهم من الساحة السياسية، وهي تسعى لخلق توازن سياسي داخلي ينعكس إيجاباً على توازن دولي وإقليمي في السياسة العراقية».