غزة | كانت المهمّة الأولى التي نفّذتها طائرة «جنين» قد أُعلن عنها في السابع من شهر أيلول من عام 2019. العملية التي تمّت بآلية «بسيطة ومعقّدة» في الآن نفسه، حلّقت فيها المسيّرة بشكل عمودي مباشر، فوق جيب عسكري على الحدود الشرقية للقطاع، وألقت بتوجيه يدوي بصري غير مُوجَّه تكنولوجياً، عبوة متفجّرة، صغيرة الحجم وذات أثر محدود. حينها، قدّرت أوساط إعلامية إسرائيلية أن «التفكير في سلوك عسكري كهذا، هو الخطر الذي يجب أن نحترس منه، وليس العملية بذاتها التي استُخدمت فيها طائرة درونز مشابهة لطائرات التصوير».زهاء ثلاث سنوات استغرقتها مهمّة تطوير المسيّرة لتصبح ربّما قادرة بشكل أكثر دقّة، على تنفيذ مهمّة قتالية، تطلق من خلالها صاروخاً أو عبوة تجاه هدفها وتعود بسلام. صحيح أن ما أعلنت عنه «السرايا» ليس الشكل الأمثل لهكذا سلاح، لكنّه يمثّل قفزة تترجم طموحاً كبيراً يساور أذهان المقاومين كافة. غير أن الرسالة المرئية التي كشفت عنها، لم تَظهر فيها «جنين» منفردة، بل بدا الأمر أشبه بتدشين وحدة جديدة، تمتلك عدّة نماذج، منها ما هو ناضج، وآخر في طور الاكتمال، إذ ظهرت مسيّرة أصغر حجماً، يبلغ طولها تقريباً 100 سم، بجناح لا يتجاوز طوله الـ200 سم بكثير، لتعيد التذكير بمسيّرة «قاصف» الانتحارية اليمنية، التي استُخدمت بكثافة في ضرب منشآت «آرامكو» النفطية، وساهمت في زيادة تكلفة الحرب السعودية على البلاد.
عسكرياً، يمكن القول إن امتلاك سلاح الطائرات المسيّرة يلغي، على نحو أكثر دقّة، حواجز الجغرافيا. والحديث هنا لا يدور عن المهمّة التقليدية التي يمكن أن يقوم بها الصاروخ، لأن سلاح المسيّرات يقدّم هوامش عمل أكثر فعالية، ليس أهمّها دقة الإصابة ونقطيّتها، إنّما يتجاوز ذلك إلى أدوار الرصد والتتبّع، والفعّالية العالية في تجاوز أسلحة المضادّات الأرضية. إضافة إلى ما سبق، يبدو اختيار هذا السلاح تحديداً للكشف عنه في «يوم القدس العالمي» رسالة محورية على لسان السرايا، عن إحدى السمات الجماعية للحرب المقبلة، التي يقدّر مصدر مطّلع في المقاومة معالمها بأنها «حرب ذكية، تُستخدم فيها أسلحة تمتلك كلّ كيانات وفصائل المحور ليس أعداداً منها، إنّما تقنية تصنيعها بما يسمح باستخدامها على شكل مكثّف وغير محدود». وإضافةً إلى الجانب المعنوي، تستبطن تسمية المسيّرة بـ«جنين» تأكيداً لتَوجّه المقاومة، ولا سيما «الجهاد الإسلامي»، إلى استمرار تفعيل ساحة الضفة المحتلة، على رغم سيل التهديدات التي أطلقها الاحتلال عبر الوسطاء بتحميل تكلفة العمل المقاوم في الضفة لقطاع غزة.
امتلاك سلاح الطائرات المسيّرة يلغي، على نحو أكثر دقّة، حواجز الجغرافيا


أمّا سياسياً، فقد أراح «أبو حمزة» معشر الصحافيين من التحليل، حين اختار «يوم القدس العالمي» الذي يمثّل تظاهرة جماهيرية عالمية لدول محور المقاومة وكياناته، للإعلان عن التطوّر الجديد، ثمّ أسهب في تفسير الواضحات، حين أكد أن «المعركة المقبلة ستتجاوز حدود فلسطين، حيث سيجعل محور المقاومة بكلّ تشكيلاته وأذرعه من هذا الكيان المسخِ كتلةً من لهب ونار». وجدّد، في كلمته المصوّرة، تأكيده ثبات «المعادلة الراسخة التي شكّلت هاجس رعب للصهاينة على كلّ الصعد، وهي أن المساس بالمسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية في فلسطين يعني فتح جبهات مختلفة وواسعة على كيان العدو». وتابع: «من جديد نحيا وإياكم في رحاب أيام الله، وتجلّيات يوم القدس العالمي الذي دعا إليه الإمام الخميني رحمه الله في الجمعة الأخيرة من رمضان المبارك من كلّ عام، كعنوان لهدف سامٍ عظيم، وهو تحرير القدس من أيدي الصهاينة الظالمين المستبدّين المستكبرين». ومن الجدير بالذكر أن «اللجنة الفلسطينية لإحياء يوم القدس العالمي» ستقيم مهرجاناً جماهيراً، سيتحدّث فيه عدد من قيادات المقاومة، كما ستتخلّله كلمة، للمرّة الأولى، للواء حسين سلامي، قائد الحرس الثوري في إيران.