الرسالة الأولى(ملاحظة صغيرة: هاي رسالة بالعلن هيك للزلمة الختيار اللي بالخليل، مبارح كان قاعد يبكي بيته اللي هدموله ياه الصهاينة، أنا والله ما بعرفه، ولا بعرف اسمه، عشان هيك قلت أكتب بالعلن، بركي بتوصله رسالتي).

عمي، كيفك؟ والله بعرف انه كل الكلام اللي بالدنيا ما بيكفي ليخفف عنك هلق. قال بيقولوا إنه راحت القصة بالحجر، وإنه اذا الواحد خسر بيته يعني خلص ما بيأثر. يا عمي لأ ما صحيح. والله ما صحيح، احنا العائدين بنعرف منيح هادا الشعور أكتر من غيرنا بكتير. البيت عنا زي واحد من الأولاد، هيك جدي حيدر بيقول. يا عمي قطعة الأرض أغلى من الدم، لكان ليش احنا حطينا كل هالشهدا إذا الأرض رخيصة أو البيت ما اله قيمة؟ انقهرت كتير يا عمي لما شفت صورتك مبارح، حسيت روحي بدها تطلع، انه البيت مش مجرد حيطان وحجار ورمل وتراب، البيت ذكريات وتعب وعرق وقهر حتى. هون لما اتدينت مصاري من فلان عشان تكمله، هون لما مشي ابنك الصغير اول خطوة. هون لما ولما ولما ولما. البيوت هي ذكريات يا عمي والله عارفة. أنا أصلاً من لما تجوزت بدي ايش وايش كل ما تصير مناسبة ارجع ازور بيت أهلي عشان أقرّب من هاي الذكريات اللي تركتها هونيك بالبيت اللي حضني وأنا وصغيرة. بس يا عمي بتعرف شو؟ انا بعرفك، انت زي أبوي، زي خوالي اللي استشهدوا، زي كتير رجال عنا بالمخيم. بتتضايقوا شوي، وبترجعوا بتحطوا على وجهكم هاي التكشيرة الفلسطينية ما غيرها، وبتبلشوا تعمروا بيتكو من جديد، ولا بيعنيلكوا ايا شي تاني، البيت بدو يرجع يتعمر، مش مهم كيف، مش مهم بأيا طريقة، المهم غصباً عن الصهيوني البيت بدو يرجع يوقف. آه، آه، قلتلك بعرفكوا كتير منيح. بتبينوا هيك خلص انه انكسرتوا ومش عارفة شو. بس والله فشر بعيونهن، بلحظة واحدة بترموا كل هادا عنكو، وبتبلشوا من جديد. صعبة؟ يمكن بس علينا مش صعبة، شفتها قبل وبتصير كل يوم بعد. بتعرف عمي، أقولك شي تاني، الكل بس يشوف هاي التكشيرة على وجوهكم بيفكر إنكم ما عدتوا تحسوا وانه ما فارقة معكم، وانه قلوبكم حجر. وإنه اذا صرختوا علينا لما كنا صغار كنا نفكركم ما بتحبونا ولا بتحسوا فينا. بس لما كبرت يا عمي، صرت أشوف أبوي، اللي هو متل حضرتك، مع ولاد اختي، بيصير زي الولد الصغير، بيصير يلعبهن ويلعب معهن كأنه مش هو نفسه الرجال القاسي اللي بيصرخ وبيخانق على أقل شي. قلبه بيصير زي ولاد اختي نفسهن، بتحسه واحد منهن. بس هو متعود أد ما الحياة صعبة يفرجي هادا الوجه، يفرجي انه هيك، لانه لو ما بيكون هيك الحياة بتكسره. والفلسطيني بعمرها الحياة ما رح تكسره يا عمي. عشان هيك أنا متطمنة ومتفاءلة عمي إنك رح تقوم ورح ترجع تعمّر البيت زي ما كان وأحسن.

الرسالة الثانية
(كمان هاي الرسالة بالعلن للست والدة الشهيد أحمد صابرين اللي كانت عم تودعه من يومين، شفت صورتها وحكتلي زميلتي شذى – من فلسطين – انها كانت عم تسأل: ابني وين؟ حسيت انه بدي احكيها، لانه احنا دايماً مقصرين مع أمهات الشهداء)
خالتي، بمسيكي بالخير. اسمي تهاني، أنا فلسطينية من الكويكات، يمكن التعريف هيك بيقربنا بس مش عارفة كيف بدي أبلش. عرفت انه استشهد ابنك، وانا ما عارفة شو بدي أقولك. احنا تعودنا نبارك بالشهادة، تعودنا نزغرد ونرقص ونرش رز على جنازات الشهدا. بس والله الموضوع بيوجع، بعرف انه بيوجع، يمكن بيوجعنا النا اكتر من اي حدا، بس احنا بنحب نكابر. بعرف والله إني يمكن عم بزيد عليكي بحديثي الطويل هادا، بس والله حبيت اقولك انه حاسة بوجعك. بتذكر امي بتحكي قصة عن ستي المختارة – الله يرحمها – كانت تدعي لما اختفوا ولادها بالأحداث إنه يا رب رجعلي واحد منهم، كانوا تلاتة وقتها، الكل كان يستغرب إنه معقول هيك بتدعي؟ هيك بتقولي؟ إنه يرجعلك واحد بس؟ آه كانت توقف كل يوم على الشباك وتدعي يارب رجعلي واحد بس، ما بدي كتير، واحد بس. وفعلاً رجعلها بس واحد. احنا بنقنع بالقليل، بنقنع بالأكل القليل، بالعيشة القليلة، بالحياة القليلة، بس بنعيشها، وبنتحملها، ما بنطلب كتير ولا بنحلم بكتير، بس نعرف نعيش بكرامة. ابنك يا خالتي اختار الكرامة على أي شي تاني. يا خالتي بعرف كل كلام الدنيا ما بيكفي ليحكي اللي حاسة فيه. فاهمة والله. بس بدي أحكيلك إنه هي هاي حكايتنا سواء كنا بالداخل ولا بالخارج، سواء كنا بفلسطين، بلبنان ولا وين ما كان، الفلسطيني نفسه نفسه، الفلسطيني مخلوق عشان يموت وإمه تبكيه. مش رح أطول عليكي أكتر من هيك. خالتي، صح استشهد ابنك، بس احنا كلنا ولادك وبناتك. الشهيد ما مات خالتي، وإنتِ ست العارفين، الله يحميكي ويحفظك.