درعا | على الرغم من وضوح معالم الجبهات وخطوط التماس في درعا والقنيطرة خلال الثلث الأوّل من الحرب، خصوصاً مع سيطرة المسلّحين على قرابة 75% من مساحة أرياف المحافظتَين، إلّا أن تلك الفترة شهدت فوضى انتشار الفصائل والداعمين، قبل أن تُنظَّم بشكل شبه رسمي تحت لواء غرفة «الموك» في الأردن. آنذاك، أصبحت تلك الغرفة الآمر الناهي في ما يتعلّق بإطلاق المعارك أو فرض التهدئة، أو حتى مواجهة مسلّحي «داعش» في عمق حوض اليرموك على مثلّث الحدود السورية الأردنية مع الجولان المحتل. كانت السطوة على «الموك» سعودية - قطرية، حيث نشطت الدولتان في دعم المقاتلين المقرّبين من تنظيم «الإخوان المسلمين» نهجاً وفكراً، كفصيل «المهاجرين والأنصار»، و«جبهة أنصار الإسلام»، و«ألوية سيف الشام»، إضافة إلى «ألوية الفرقان» بزعامة ماجد الخطيب، الملقَّب بـ«كلينتون»، والذي كان آخر قيادات المسلّحين الذين ألقوا سلاحهم في القنيطرة، قبل أن يغادر البلاد في اتجاه الأراضي الأردنية بموجب تسويات صيف عام 2018.تحفّظت الإمارات، دوناً عن غيرها، على آلية الدعم المُقدَّم إلى الفصائل المسلّحة في المنطقة الجنوبية، وتبنّت بالدرجة الأولى سياسة إبعاد «النصرة» و«داعش»، وحتى بعض الفصائل «الإخوانية»، عن المشهد هناك. وفُسّر الموقف الإماراتي، حينها، بقلق أبو ظبي من أنّ تواجد هذه الفصائل على حدود الأردن، يهدّد دولاً عدة، خصوصاً أنّ تلك الحدود تُعتبر شرياناً رئيساً يصل بين سوريا ودول الخليج. وما سهّل على الإمارات مهمّتها تلك، تمتّعها بعلاقة «خاصة» مع أهالي المنطقة، مردّها امتداد قبيلة «النعيم»، إحدى أكبر القبائل في جنوب سوريا، إلى العراق والإمارات وحتى السعودية، الأمر الذي ظهر في تأبين أحد شيوخ القبيلة، رضوان الطحان، الذي قضى في حادث سير على طريق دمشق - القنيطرة، حيث تلقّت القبيلة التعازي من رجال أعمال إماراتيّين، وعدد من وجهاء القبيلة في دول الخليج.
عارضت أبو ظبي فكرة إطلاق «عاصفة حزم» في سوريا وتبنّت مساراً مختلفاً


هكذا، حصرت أبو ظبي نشاطها في الجنوب بدعم بعض فصائل «جبهة ثوّار سوريا»، مِمَّن قدّمت نفسها على أنها «معتدلة»، في ما أشّر إلى رغبة إماراتية في التأثير على القرار السياسي والعسكري في القنيطرة ودرعا. كذلك، مارست الإمارات، من خلال بعض رجال الأعمال المحسوبين على «معارضة الخارج»، والمقيمين على أراضيها، والذين يدعمون عسكرياً ومالياً الفصائل المسلّحة، ضغوطاً لإعادة تشكيل فصائل أو حرف توجّهاتِ أخرى، أو إيقاف معارك وإشعال أخرى، وغير ذلك. وفي هذا السياق، جاءت تحرّكات نائب رئيس «هيئة التفاوض» سابقاً، خالد المحاميد (رجل أعمال سوري مقيم في الإمارات، كان له دور فاعل جدّاً في درعا)، الذي دعم وساند صِهره أحمد العودة، متزعّم «فرقة شباب السنة» سابقاً، وقائد «اللواء الثامن – تسوية» المدعوم روسياً لاحقاً. وتكشف مصادر عسكرية كانت مسؤولة في الجنوب السوري، في حديث إلى «الأخبار»، أن الضباط الإماراتيين في غرفة «الموك»، لطالما لعبوا دوراً مختلفاً عن زملائهم السعوديين والقطريين وحتى الأردنيين. وعلى سبيل المثال، تتحدّث هذه المصادر عن معركة «الكتيبة المهجورة» في بلدة إبطع في ريف درعا، أواخر عام 2016، والتي قُتل على إثرها 30 مسلّحاً من فصيل «المهاجرين والأنصار» المدعوم قطرياً. وتُضيف المصادر أن «الهدف من هذه المعركة حينها، كان انتزاع أسلحة نوعية من تشكيلات عسكرية سوريّة قريبة، إضافة إلى جعل الكتيبة منطلقاً لهجمات تفضي إلى السيطرة على مساحات واسعة من ريف درعا الأوسط، لكنّ الإمارات رفضت دعم فصائلها للمعركة أو الاشتراك فيها، لأنها ستمكّن جبهة النصرة وحلفاءها من السيطرة على القطاع الاستراتيجي من ريف درعا، الأمر الذي يُعارض سياستها المتعلّقة بتحييد النصرة عن أيّ دعم».
ومع تسارع التحوّلات الإقليمية في تلك الحقبة، دعمت قطر والسعودية، في عام 2015، طرح المعارضة المسلّحة إطلاق «عاصفة حزم» في سوريا على غرار تلك التي شُنّت ضدّ اليمن، إلّا أنّ الفكرة اصطدمت بثبات الجيش السوري وحلفائه، وتحديداً في معارك القلمون وحلب وأرياف اللاذقية وحمص، بينما وقفت الإمارات على الحياد، معتبرةً أن الدخول في مواجهة مباشرة مع «محور المقاومة»، سيؤدّي إلى حرب كبرى، لا بد أن تطال حِممها أبو ظبي. وفي الفترة الممتدّة بين صيفَي العامَين 2017 و2018، سُجّلت زيارة وفود إماراتية سرّية إلى دمشق لإنعاش العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والتي لم تنقطع كلّياً أبداً. وبالتزامن، وقعت، لأوّل مرّة، مواجهات عسكرية بين فصائل مدعومة إماراتياً و«النصرة» في الجنوب، في ظلّ انشغال السعودية وقطر بملفّ جنوب العاصمة دمشق، والغوطة الشرقية حيث «جيش الإسلام» المدعوم من الرياض، و«فيلق الرحمن» المدعوم من الدوحة. وتمكّنت يومها الفصائل الجنوبية المدعومة من أبو ظبي، من انتزاع نقاط هامّة في القنيطرة، حيث رُفع العلم الإماراتي لساعات في بعض البلدات من القطاع الأوسط، وذلك قبل أسابيع فقط من تسليم هذه البلدات للجيش السوري بموجب اتفاق «تسوية 2018»، وخروج مسلّحي الفصائل التي لم توافق على التسوية إلى الشمال السوري، النفوذ الكبير للمجموعات المسلّحة الموالية لأنقرة.
لكن الدور الإماراتي الأبرز على الإطلاق، كان رعاية أبو ظبي المباشرة لملفّ التسويات في الجنوب السوري، على مرحلتَيه؛ الأولى في صيف عام 2018، حيث كان الاتفاق برعاية روسية - أميركية، وتولّت الإمارات جانبه التنفيذي، فيما رُوعيت فيه المطالب الإسرائيلية، كونه قضى بعودة الدولة السورية إلى خطّ فضّ الاشتباك مع العدو، في مقابل إبعاد كلّ المقاتلين مِن القوى الحليفة عن المنطقة الجنوبية، وتحديداً عن الحدود مع الجولان المحتلّ. أمّا المرحلة الثانية، فكانت في صيف العام الفائت، عندما مارست أبو ظبي ضغوطاً على أحمد العودة، عبر المحاميد، ومنعته من مواجهة الجيش السوري في درعا، ليقف مع قواته على الحياد، ويطلق سراح عشرات الأسرى من الجيش الذين اختطفهم عناصر «اللواء الثامن- تسوية»، على خلفية مواجهات سابقة في درعا البلد ومناطق أخرى.