دمشق | تضمّن القانون رقم 16، الصادر في 30/3/2022، عن الرئيس السوري، بشار الأسد، بنوداً تتماشى مع المادّة الأولى من «الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب»، كتعريف «التعذيب» و«انتزاع الاعترافات»، وتجريم التحريض أو الموافقة أو السكوت عن التعذيب، من قِبَل أيّ موظف رسمي أو أيّ شخص يتصرّف بصفة رسمية. بالإضافة إلى ذلك، جرّم القانون الارتكابات التي تُمارَس خارج إطار الدولة، كتلك التي تقوم بها العصابات أو الجماعات المسلّحة، والتي تتّهمها الجهات الحكومية بأنها مارست آلاف الانتهاكات الجسدية بحقّ مختطفين لديها خلال السنوات العشر الماضية. من حيث الشكل، يبدو ذلك متماشياً مع عملية إصلاح للبيئة التشريعية والقانونية في سوريا، لتكون أكثر قرباً من قضايا حقوق الإنسان التي شكّلت انتهاكاتها موضع انتقاد طوال سنوات وما تزال. لكنّ أيّ إصلاح في هذا السياق، لا يخلو من أبعاد سياسية محلّية وإقليمية ودولية، وفق ما يرى مراقبون. إذ إنّ تجريم التعذيب في سوريا التي تشهد حرباً طاحنة منذ 11 عاماً، واتّهامات من المعارضة والغرب للحكومة السورية بممارسة التعذيب في السجون بحقّ عشرات الآلاف، يأتي اليوم في ظلّ حالة سياسية جديدة مرتبطة بانفتاح عربي على هذا البلد، وسوري على العرب أيضاً. ويَعتبر مصدر في «مجلس حقوق الإنسان» في جنيف، فضّل عدم الكشف عن اسمه، خلال حديث مع «الأخبار»، أن «القانون خطوة إيجابية»، لكنّها «متأخرة»، ويتساءَل المصدر عمّا «إذا كانت سوريا سترسل تقارير دورية إلى الجهات الدولية حول الانتهاكات، أو التزامها باتفاقية مناهضة التعذيب»، علماً أنّ الحكومة السورية لم ترسل، منذ عام 2011، أيّ تقرير، واكتفت مرّة واحدة في العام ذاته، بالردّ على اتهامات «لجنة مناهضة التعذيب» لها، قائلةً في الفقرة السابعة من ردودها إنّ «ما أُثير لجهة الادّعاءات المتعلّقة باستخدام التعذيب بصورة اعتيادية من قِبَل موظّفي إنفاذ القانون والمحقّقين، أو بتحريضٍ منهم، ولا سيّما في مواقع الاحتجاز، إنّما هو قول مُرسَل لا يؤيّده أيّ دليل قانوني أو مادّي».

حماية المشتكين والشهود
بالغوص في المضمون القانوني، يتبيّن أن المُشرّع كان حازماً مع مرتكبي «جُرم التعذيب»؛ إذ تبدأ العقوبات المقرَّرة بحقّهم من السجن 3 سنوات، إلى الإعدام في حال نتج من التعذيب موت الإنسان أو اعتُدِي عليه جنسياً. كما أن القانون يرفع الشرعية عن أيّ اعترافات تُنتزع تحت التعذيب، ويلحَظ جزئية مهمّة لطالما كانت مصدر خوف لدى كثيرين ممّن تعرّضوا للتعذيب وسكتوا عنه، وهي ضمان توفير الحماية لـ«مُقدّم الشكوى»، والحفاظ على السرّية وحماية الشهود والخبراء وأفراد أسرهم. لكن يؤخذ على القانون أنه لا يولي اهتماماً لـ«التعذيب النفسي» المتمثّل بالإهانات والشتائم، أو «العنف البسيط» الذي قد يكون من الصعب إثباته، على اعتبار أنه لا يترك أثراً عينياً على المتضرّر، إضافة إلى عدم تناوله إطلاقاً لبيئة السجن السيّئة، وعدم اعتبارها أداة تعذيب، على رغم أنّ غياب الظروف الصحّية للاحتجاز، مِن مِثل التدفئة والغذاء الجيّد والخصوصية وغير ذلك، تُعدّ وسائل تعذيب نفسية بالغة الأثر في شخصية المحتجز.
يحتاج تطبيق القانون رقم 16، رقابةً على السجون من جهات حقوقية مختصّة


على أيّ حال، تبقى العِبرة في التطبيق. وفي هذا الإطار، يشدّد المحامي السوري، عارف الشعال، في حديث مع «الأخبار»، على ضرورة «إصدار لائحة تنفيذية من وزير العدل أو النائب العام للجمهورية، تتضمّن آليات تنفيذ المادة 7 من القانون، باتّخاذ التدابير الكفيلة بحماية مقدّم الشكوى والحفاظ على السرّية وحماية الشهود والخبراء وأفراد أسرهم»، ويُشير إلى أنّ «القانون سديد بإحاطته، وفيه تطوير للعقوبة من جنحة إلى جناية، وهذا يزيد من مدّة التقادم إلى عشر سنوات». وبحسب الشعال، فإن هنالك طريقتَين لإثبات التعذيب، الأولى هي أن يكون «ظاهراً على جسد المُعذَّب، وبالتالي يُحال إلى الطبيب الشرعي لإصدار تقرير»، فيما الثانية، وهي بعد زوال آثار التعذيب، تكون «عن طريق الشهود، وهم متعدّدون، ومن الممكن أن يكونوا زملاء المُعذَّب في الزنزانة ذاتها، والذين رأوا آثار التعذيب عليه في وقت سابق، أو عناصر من الجهة التي قامت بالتعذيب».

الرقابة
يحتاج تطبيق القانون رقم 16، رقابةً على السجون من جهات حقوقية مختصّة. وفي وضع سوريا حالياً، ثمّة جهتان للرقابة: واحدة داخلية إدارية ضمن الأجهزة الأمنية؛ والأخرى قضائية، تبدو يسيرة عليها ممارسة الرقابة على الأجهزة التابعة لوزارة الداخلية. أمّا الأفرع الأمنية الأخرى، فوضعها القانوني مُلتبس نوعاً ما، حيث تُعتبر من الناحية القانونية بمثابة ضابطة إدارية تعمل على منع الجريمة من الوقوع، بينما يُعدّ الاجتهاد القضائي بمثابة ضابطة عدلية تُحقّق في الجريمة بعد وقوعها. وهنا، يؤكد الشعال أنه «حتى هذه الأجهزة الغامضة قانونياً، من الواجب عليها الالتزام بالقانون، وعناصرها مسؤولون عن إنفاذه»، ويرى إلى ضرورة «ممارسة مزيد من الرقابة عليها، ودفعها إلى الالتزام بعملها ضمن اختصاصها، بعد أن يتمّ تحديد وإيضاح دورها وعملها منعاً لأيّ التباس».