بدت المخاوف الحقيقية تظهر على المستوى الرسمي لدى السلطة الفلسطينية التي عاد رئيسها محمود عباس ليعلن أمس أن من واجبها البحث عن المستوطنين الثلاثة المفقودين.هذا يتكشف في ما نقلته وكالة «صفا» المحلية عن مصادر في السلطة قالت إن هناك أوامر صدرت للمحافظين والأجهزة الأمنية في الضفة المحتلة بـ«العمل على إنشاء لجان في كل مدينة تكون وظيفتها متابعة تسهيل حياة المواطنين مع تقديرات بأن الاحتلال قد يلجأ إلى فصل المدن بعضها عن بعض في وقت لاحق من تطور عمليته العسكرية»، في إشارة إلى تهديد أحد الوزراء الإسرائيليين باستمرار هذه العملية لأشهر أو سنوات، وهو ما يعني بلغة السياسة أن الحملة لن تنتهي بانتهاء ملف المستوطنين، بل حتى إكمال مخطط كان مرسوماً ومتروكاً في الأدراج حتى جاء وقت تنفيذه.

المصادر الفلسطينية أشارت إلى أن تقديرات الأجهزة الأمنية وديوان الرئاسة تشير إلى احتمالية فصل المدن بعضها عن بعض وفرض طوق عليها، وهو ما حدا الرئاسة إلى الطلب من المحافظين والأمن العمل على تشكيل لجان تمثل المؤسسات لمتابعة شؤون المحافظات، مؤكدة أنه شُرع في الخطوات الأولى لتشكيل اللجان في بعض المدن «على أن تمثل المؤسسات الأهلية والحكومية وتكون مهمتها متابعة أوضاع المواطنين والإشراف على تنظيم أمور حياتهم».
في السياق، قال رئيس حكومة التوافق، رامي الحمدالله، إن حكومته ستشكل لجنة مصغرة لحصر الأضرار الناجمة عن اعتداءات الاحتلال على محافظة الخليل جنوبي الضفة، وتقديم تقرير إلى مجلس الوزراء لإقرار الاحتياجات العاجلة، ولا سيما الصحية. وأشار الحمدالله خلال جولة في الخليل، أمس، إلى تكثيف اتصالاتهم مع الدول والمؤسسات الدولية «للضغط على إسرائيل وإلزامها رفع حصارها العسكري المفروض على المدينة».
وتتواصل لليوم التاسع على التوالي العملية الإسرائيلية، في ظل حشد آلاف الجنود في المدن واقتحام البلدات بالتوازي، وشملت عمليات التمشيط الجبال وتفجير الكهوف، فضلاً عن البيوت والمقابر. وسُجل تحليق للطائرات على ارتفاعات منخفضة في بيت لحم ورام الله إلى جانب عمليات إنزال في بعض قرى الأخيرة.
جراء ذلك، أعلنت مصادر طبية فلسطينية أمس استشهاد شاب وطفل، الأول يبلغ من العمر 22 عاماً ويدعى مصطفى أصلان، وأصيب بالرصاص الحي في الرأس خلال مواجهات في مخيم قلنديا. وسبقه الطفل محمد دودين (13 عاماً) الذي استشهد برصاصة في الصدر، في مدينة دورا، واعترف جيش الاحتلال بأنه قتل بالخطأ.
الجيش الإسرائيلي قال إن قواته اعتقلت فجر الجمعة 25 فلسطينيّاً بعد تفتيش 200 منزل، وأعلن إغلاق ما يزيد على 9 مؤسسات خيرية تتبع لحركة «حماس».
ولا تمرّ هذه الاقتحامات دون احتكاكات مع الفلسطينيين، أقلّها بالحجارة، وهو ما شهدته بلدة بيت كاحل وترقوميا ومنطقة باب الزاوية، حيث اندلعت مواجهات عديدة رشق فيها الشبان جنود الاحتلال بالحجارة، ورد الجنود بإطلاق الرصاص الحي والمطاطي وقنابل الغاز. بالتزامن مع ذلك، تصل تهديدات إسرائيلية إلى هواتف الفلسطينيين، فضلاً عن إعلان خطوات تصعيدية ضدهم، منها منعهم من دخول الأراضي المحتلة خلال الأعياد أو الصلاة في القدس المحتلة خلال شهر رمضان المقبل. وفيما تحدث الاحتلال عن بعض الاشتباكات المسلحة الصغيرة، أعلنت كتائب شهداء الأقصى التابعة لـ«فتح»، أمس، «بدء عملياتها العسكرية ضد الاحتلال، واشتباك 20 مسلحاً مع قوات الاحتلال فجر الجمعة».
على المستوى السياسي، قال وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، إن «أبو مازن» سيمنع حدوث انتفاضة برغم عمليات الجيش الإسرائيلي في الضفة، مضيفاً في تصريح صحافي: «إذا اتضح أن حماس تقف خلف أسر المستوطنين، فإن ذلك ضربة قوية للمصالحة». وتابع المالكي: «الحكومة ستبذل قصارى جهدها للمساعدة لأنه إذا استمر الوضع على حاله فإن هذا سيؤدي إلى تدمير ما تم بناؤه في فلسطين»، لافتاً إلى أن وقوف «حماس» وراء هذه العملية سيضع رئيس السلطة أمام اتخاذ قرارات صارمة.
ولم يقتصر التصعيد الإسرائيلي على مدن الضفة، فقد طاول الأسرى الذين يخوضون إضرابهم لليوم الثامن والخمسين على التوالي. وأفاد نادي الأسير بأن لجنة خاصة كوّنتها إدارة السجون «ألغت أمر إطلاق سراح الأسرى المشروط والخاص بالمحررين من صفقة التبادل مؤقتاً». وأوضح محامي النادي، مفيد الحاج، أن اللجنة أجّلت النظر في قضيتهم لأجل غير مسمى، وجرى ذلك في المحكمة المركزية في حيفا أمس، وشمل هذا القرار 7 من المحررين الذين اعتقلوا في القدس أخيراً»، وهو ما يشير إلى التهديد الإسرائيلي بإعادة الأحكام القديمة التي كانت مفروضة على هؤلاء الأسرى قبل صفقة 2011م.
كذلك، كشف رئيس النادي، قدورة فارس، أن إدارة سجن «ريمون» أبلغت أسرى «حماس» بفرض رزمة من العقوبات التنكيلية بحقهم. وبين فارس أن العقوبات هي: منع زيارة الأهالي لمرة واحدة كل أسبوعين وجعلها مرة واحدة كل شهرين لمدة 45 دقيقة، وتقليص مدة «الفورة» لساعة واحدة صباحاً ومثلها مساءً، ومنع «الكنتينة» عن الأسرى والاكتفاء بـ(400 شيكل) تدفعها الحكومة الفلسطينية لكل أسير، بالإضافة إلى تركيب بوابات ممغنطة على جميع أبواب الأقسام. كذلك أبلغت سلطات الاحتلال الأسرى من الفصائل الأخرى الذين يعيشون في أقسام أسرى «حماس» بأن العقوبات ستشملهم إن رفضوا الانتقال من أقسامهم.
أما في القدس، فأدى مئات الفلسطينيين صلاة الجمعة في الشوارع والطرقات المؤدية إلى المسجد الأقصى تحت أشعة الشمس الحارقة، بعد فرض الاحتلال قيوده على دخول المصلين ما دون سن الخمسين. وحرمت شرطة الاحتلال المصلين أداء الفجر في المسجد.
(الأخبار، رويترز)