أخيراً، وبعد طول تردُّد ومكابرة، قرّرت السعودية طيّ صفحة عبد ربه منصور هادي. الرئيس الذي يُفترض أنّ الحرب أُعلِنت «من أجله» ذات فجر من عام 2015، يُزاح من المشهد الذي لم يحتلّه أصلاً إلّا صُورياً، ليتربّع مكانه «مجلس رئاسي»، ترى الرياض أنه الأقدر على قيادة المرحلة. هي خطوةٌ تأخّرت كثيراً، لكن المملكة لم تَعُد تجد بدّاً منها، في ظلّ التحوّلات الكبرى التي شهدتها سبع سنوات من عُمر العدوان. هكذا، ببساطة، تتخلّى السعودية عن الشمّاعة التي علّقت عليها كلّ موبقاتها في اليمن، مُعترِفةً بفشلها في تحقيق أحد أبرز أهداف عدوانها، والمتمثّل في إعادة «الشرعية» إلى صنعاء، ومُقرّةً، بشكل أو بآخر، بأن كلّ ما دأبت على تسويقه باعتباره «وصْفةً» للحلّ، إنّما تجاوَزه الزمن، وأنّ لا تسوية اليوم إلّا على أسس جديدة تأخذ في الاعتبار تبدُّل موازين القِوى، وتشكّل وقائع جديدة على الأرض. لن يتغيّر شيء بالنسبة إلى هادي، الذي أضحى أسير فندق في العاصمة السعودية لا يستطيع الحراك خارجه، فيما نائبه، علي محسن الأحمر، الذي جُعل على الخزائن السعودية لتموين المقاتلين وشراء القبائل، سيجد نفسه عاطلاً عن العمل، الذي سبّب أساساً متاعب جمّة للرياض، من دون أن يأتي بفوائد ذات أهمّية. أمّا بالنسبة إلى المملكة، فهي تُعيد، بخطوتها الأحدث والتي جرى إخراجها على أنها قرارٌ من هادي - تماماً كما صُوّرت «عاصفة الحزم» بوصْفها تلبية لطلب الأخير -، هندسة العلاقة في ما بين القوى الموالية لها، وتلك التابعة لمنافِستها الإمارات، مانحةً جميع هؤلاء حصصاً في «المجلس الرئاسي»، الذي سيكون عليه «البدء في التفاوض مع الحوثيّين تحت إشراف الأمم المتحدة»، وفق توجيهاتها. وعلى رغم أن السعودية تحاول بذلك، كما دأْبها دائماً، النأْي بنفسها عن مشهديّة الصراع، إلّا أن قرارها ربّما يؤشّر إلى أنها بدأت تتعامل مع فكرة إنهاء الحرب بجدّية وواقعية، لا بتعنّت طفولي على طريقة ألعاب «الديجيتال» التي يمكن تصفيرها، والخروج منها مثلما دُخل إليها.
مع هذا، يظلّ احتمال أن تكون الرياض في طوْر استغلال الهدنة من أجل إعادة ترتيب أوراق حلفائها، تمهيداً لفصل جديد من العدوان، قائماً، بل وكبيراً، خصوصاً إذا ما كانت المملكة لا تزال تتأمّل بدعم أميركي مضاعَف ومباشر لها، يستبعد المحلّلون الأميركيون تَحقّقه إلّا في حال «تسبُّب الحوثيين بخسائر كبيرة لدول الخليج العربي أو إذا فشلت المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، وكان هناك تصعيد إقليمي»، بحسب «ستراتفور». أمّا بخصوص صراع النفوذ مع «الحليف» الإماراتي، فتأتي قرارات فجر الخميس لتضبطه في إطار يعترف لأبو ظبي بحصّة كبرى من «الكعكة»، مقابل تحجيم - ولو نسبي - لخصمها الألدّ، المتمثّل في حزب «الإصلاح»، وهو ما يستهدف - بصورة أو بأخرى - إعادة رصّ الصفوف، في مرحلة يبدو فيها الحليفان أحوج ما يكونان إلى الوحدة، في ظلّ وصول علاقاتهما مع الراعي الأميركي إلى الحضيض.