وزارة الدفاع الأميركية، والتي يبدو أنها اختارت تحمّل المسؤولية بشكل غير مباشر والاعتراف ببعض المجازر فقط لإسكات الأصوات التي تُواصل العمل على فضح الجرائم التي تمّ ارتكابها، ومن بينها تقارير صحافية تُنشر بشكل متواتر، وتقارير «منظّمة العفو الدولية» التي أطلقت موقعاً خاصاً لهذا الغرض، حاولت الالتفاف أيضاً على ما جرى عن طريق إظهار خطوة «راند» وكأنها «عمل بطولي قامت به واشنطن على سبيل الانتقاد الذاتي». ولعلّ ذلك هو ما تجلّى بوضوح في تصريحات للسكرتير الصحافي لـ«البنتاغون»، جون كيربي، الذي قال لوكالة «أسوشيتد برس» إنه «لا يوجد جيش آخر يعمل بجدّ كما نفعل للتخفيف من الأضرار المدنية، ومع ذلك ما زلنا نتسبّب بها، سنواصل محاولة التعلم من القضايا الماضية».
بالرغم من محاولة «تبييض» الجيش الأميركي اعترف تقرير «راند» بارتكاب مجازر أودت بحياة الآلاف
كذلك، يمثّل هذا التقرير حلقة جديدة من حلقات مسلسل الالتفاف على حقيقة الفشل العسكري الكبير الذي مُنيت به واشنطن في الرقة، التي تطلّبت السيطرة عليها نحو عام كامل من القصف والغارات المتواصلة (بين شهرَي تشرين الثاني 2016 وتشرين الأول 2017)، استُعملت خلاله قوّة نارية غير مسبوقة، إلى درجة دفعت الرائد جون واين تروكسيل، وهو مستشار كبير لدى رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، إلى القول إن «أفراد كتيبة تابعة لمشاة البحرية (المارينز) أطلقوا 30 ألف قذيفة مدفعية خلال 5 أشهر في الرقة، أكثر من أيّ كتيبة مدفعية أخرى لعناصر مشاة البحرية في الجيش الأميركي منذ حرب فيتنام»، التي وضعت أوزارها عام 1975، بالإضافة إلى الغارات الجوية المتواصلة، واستعمال «الفوسفور الأبيض» المحرّم دولياً.
وأنكرت واشنطن، مراراً، ارتكاب أيّ مجازر، إلى حدّ دفع قائد قوات «التحالف» حينها، الجنرال الأميركي ستيفن ج. تاونسند، إلى القول «إنني أتحدّى أيّاً كان أن يجد في تاريخ الحروب حملة جوّية أدق من حملة التحالف. إن الهدف الذي ينشده التحالف دائماً هو انعدام الخسائر البشرية»، قبل أن تُظهر عمليات التوثيق المتواصلة حقائق مناقضة للتصريحات، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة في البداية إلى تحمّل المسؤولية حول «عشرات الضحايا»، لتتبع ذلك اعترافات خجولة بمزيد منهم. وبينما يدور الجدل حول عدد هؤلاء، ونسبة الدمار، تُظهر الأوضاع الميدانية التي خلّفتها الحرب «كارثة إنسانية» كبيرة في المناطق التي استهدفتها الولايات المتحدة في سوريا، حيث يعيش بضعة آلاف من السوريين في الرقة على أنقاض المدينة المدمّرة التي تسيطر عليها «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، في حين لا تزال عمليات إزالة الركام قائمة بتواتر منخفض، وسط تَكشُّف مقابر جماعية بين وقت وآخر، وجثث تحت أنقاض المباني.
أمّا في الريف النائي عن مركز المدينة، والبعيد عن عين الإعلام، فتبدو الصورة أشدّ قسوة، خصوصاً أن الولايات المتحدة التي أعلنت قبل ثلاثة أعوام القضاء على تنظيم «داعش»، عادت مع تولّي الرئيس الأميركي الحالي، جو بايدن، مقاليد الحُكم، إلى الحديث عن خطر التنظيم، وضرورة بقاء القوات الأميركية لمحاربته. وتزامن ذلك مع عودة نشاط مقاتلي «داعش» بالفعل، وسط اتهامات بتقديم الولايات المتحدة مساعدة للتنظيم لضمان وجود «حجّة» لبقاء القوات الأميركية، ما يعني بشكل أو بآخر فشل واشنطن في حربها بعد سبعة أعوام من تشكيل «تحالف دولي» تحت قيادتها من أجل هذه المهمّة، على الرغم من الدمار الكبير والمجازر والتكاليف الباهظة التي وصلت في بعض المراحل إلى نحو 10 ملايين دولار يومياً، وفق تقديرات «البنتاغون».