بغداد | يبدو واضحاً أن «داعش» يستفيد من فصائل عراقية موالية لشرعنة إرهابه في بلاد الرافدين، عن طريق فبركة الحقائق وإقناع الشارع السني بأن ما يحصل في العراق «ثورة». زخم إعلامي مهول حصل عليه «داعش» من ماكينات الإعلام العربي، للتغطية على فظاعاته وجرائمه، مصحوبا بتوجيه حرب دعائية لتثبيط عزيمة قوى الأمن، متجاهلة عشرات العشائر السنية التي تلاحق هذا التنظيم التكفيري، وأبرزها عشيرة الجبّور في سامراء، بقيادة العقيد حمادة متعب الجبوري، الذي تمكن وحده من طرد الإرهابيين من منطقة الضلوعية الملاصقة لتلك المدينة.
عشائر عديدة في مناطق متفرقة من محافظة صلاح الدين تواصل قتال «داعش»، وتحمي مناطق كثيرة، نظير عشائر جبور، مثل العلم والحِجاج بقيادة الشيخ محمد خضير أبو المنار العلمي. وتمكن هذا الفصيل من طرد كل مقاتلي «داعش» من مناطقه. هناك أيضاً عشائر بني تميم والعزة والبوعجيل، بقيادة الشيخ كريم نومان الحشماوي، الذي تمكن من طرد «داعش» من مناطق يثرب وعزيز بلد والبوعجيل. هذا فضلاً عن عشائر عدة تقاتل التنظيم الإرهابي في الأنبار، التي انحسر فيها امتداد «داعش» نتيجة إعادة تشكيل الصحوات العشائرية.
الحال ذاته ينطبق تماماً على العديد من الفصائل العشائرية المسلحة في مناطق حزام بغداد، مثل عشيرة الغرير الحامية لمنطقة اللطيفية جنوبي بغداد، وبني تميم الحامية لمنطقة ابراهيم بن علي غربي بغداد. وفي ظل هذه التشكيلات العشائرية التي تخشى امتداد أزمة الموصل، يفرض «داعش» سيطرته على الموصل بتوجيهات وتعليمات، يسعى من خلالها إلى تغيير أسلوب حياة الناس ودينهم، وإنشاء محاكم شرعية وإقامة حدود مزاجية، بل إنه يسيطر على تنظيمات مسلحة تختلف معه إيديولوجياً، لكن الإعلام يروّج إلى توحدها تحت لواء الدولة الاسلامية في العراق والشام، مستفيداً من فتوى بعض «المشايخ» و«رجال الدين»، أبرزهم مفتي الديار العراقية رافع الرفاعي، المقيم حالياً في أربيل، الذي يصر على أن ما يحصل في الموصل «ثورة سنية».
وفي أول تعليمات أصدرها «داعش» إلى أئمة وخطباء مساجد الموصل، كشف التنظيم عزمه على منع وجود أي تشكيلات ثانية في المدينة.
ونصّت التعليمات التي تحمل تاريخ 14 شعبان (الخميس الماضي 12/6/2014)، على «عدم المساهمة والانخراط في أي جماعة لحماية المناطق، أو رفع أي راية سوى راية دولة الإسلام، وبأي شكل من الأشكال وحماية المسلمين ومصالحهم».
يأتي ذلك في وقت نقلت فيه تقارير صحافية، عن أهالي الموصل، تأكيدهم وجود فصائل مسلحة أخرى في الموصل، مثل «مجلس الثوار العسكري»، و«الحركة النقشبندية». وتكشف التعليمات سعي التنظيم إلى منع التنظيمات المسلحة الأخرى من الحضور في الموصل، إذ نصّت التعليمات على «عدم نشر وإذاعة أي بيان غير صادر من دولة الإسلام في العراق والشام»، إضافةً إلى جعل «خطبة الجمعة المقبلة موحدة بخصوص وثيقة المدينة حصراً، وإنزال كل الرايات من على الجوامع، ورفع رايات الدولة الإسلامية».
وجاء في التعليمات أيضاً «اجتناب البدع والضلالات والمحادثات، وفتح باب التوبة للمرتدين في قاطع الموصل في كل من مسجد عمر الأسود بالساحل الأيمن، وجامع الصابرين في الساحل الأيسر في حي الوحدة». وكان «داعش» قد أصدر الأسبوع الماضي، أول لائحة قوانين حملت اسم «وثيقة المدينة»، تنص على «بسط نفوذ الشريعة» و«إرجاع أمجاد الخلافة الإسلامية»، وتدعو الموصليين إلى التعاون لــ«صد العدوان الرافضي المسموم».
كذلك أوضحت الوثيقة موقف «داعش» من المشاهد والمراقد الدينية التابعة للفرق والطوائف الإسلامية الأخرى، مؤكدةً أنها ستقوم «بطمسها وهدمها».
وأوردت بعض الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، فقرة من «وثيقة داعش»، جاء فيها «أما المجالس والتجمعات والرايات بشتى العناوين وحمل السلاح، فلا نقبلها البتة .. فاضربوه بالسيف كائناً من كان».