بغداد | يصرّ التحالف الثُّلاثي في العراق على تجربة حظّه في الاستئثار بالحُكم مرّة ثانية، على رغم يقينه من عدم قدرته على ذلك، ما يزيد أجواء التوتّر التي تصاعدت في الأيام الأخيرة، خصوصاً بعد زجّ أحد أطراف التحالف، «الحزب الديموقراطي الكردستاني»، بالمرجعية الدينية في النجف في أتون الصراع السياسي، من خلال الإساءة التي وجّهها أحد قياديّيه إليها، مُكرِّراً ما كان الطرف الأساسي في «الثُّلاثي»، أي «الصدري»، قد فعله، حين اعتبر أحد أبرز قيادييه، حازم الأعرجي، أن قرار النجف عند زعيم التيّار، مقتدى الصدر، وحده، عانياً بذلك تهميش المرجعية. الجلسة الثانية التي دُعي مجلس النواب إلى عقدها اليوم لانتخاب رئيس الجمهورية، ستكون مثل سابقتها التي عُقدت السبت الماضي، ولم يتوفّر فيها نصاب الثلثين الضروري للمباشرة في الانتخاب، بسبب رغبة التحالف الثُّلاثي في الاستئثار بالحُكم ورهانه على انضمام المستقلّين إليه، مع فارق أن جلسة الأربعاء ستلتئم على وقْع تظاهرات يجري الحشد لها في النجف للدفاع عن المرجعية.ومثلما كانت الحال في المرّة السابقة، حيث لم يكن اعتذار الأعرجي كافياً لتهدئة خواطر أنصار المرجعية، لن يكون بيان التنصّل الذي أصدره حزب بارزاني من القيادي نايف الكردستاني الذي أثار تلك الزوبعة، ولا حتى اعتقاله، كما أُعلن، كافيَين لتهدئة غضب المستائين، خاصة أن الحزب يثير سخطاً عراقياً، نتيجة توجّهاته الانفصالية وعلاقاته المشبوهة بالإسرائيليين والأميركيين والخليجيين، وكذلك نتيجة فساد آل بارزاني المتسلّطين على إقليم كردستان منذ عشرات السنين. وتخدم تغريدة نايف المسيئة، والتي قال فيها: «أنا مع المرجعية العربية من آل البيت - سلام الله عليهم - ولست مع المرجعية الهندية والفارسية والأفغانية، فهم ليسوا سادة وإن لبسوا العمامات السوداء»، أيضاً، أغراض التحالف مع الصدر، الذي لم يَعُد خافياً أنه يطرح نفسه مرجعية للشيعة في العراق، ولا سيما أن تكتل «إشراقة كانون» المؤيّد للمرجعية، قاطع جلسة انتخاب الرئيس السبت. ويقود تحرّكَ النجف ضدّ «الديموقراطي»، الناشط البارز ضرغام ماجد، وهو مستقلّ كان متحالفاً مع حركة «امتداد»، وتعرّض لاعتداء في وقت سابق من الشهر الجاري من قِبَل حرس النائبة سهى السلطاني، المنتمية إلى تكتّل الصدر، في مدينة بابل، أثناء تظاهرة للمطالبة بخفض سعر الدولار.
ليس ثمّة مخرج من الانسداد السياسي إلّا بالتوافق بين الطرفَين «الشيعيَّيْن» الأساسيَّيْن


وفي ظلّ هذه الأجواء، سيؤدّي الإصرار على عقد جلسة مجلس النواب لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، من دون توافق على الاسم، إلى مزيد من التوتّر السياسي، ولا سيما أن محاولات الصدر استمالة مزيد من القوى لتأمين نصاب الثلثين محكومة بمواقف ثابتة للقوى السياسية العراقية. فعلى سبيل المثال، لم يَنتج شيء من المكالمة التي أجراها الصدر بالقيادي في «الاتحاد الوطني الكردستاني»، بافل طالباني. فالصدر حليف بارزاني، الغريم التاريخي لوالد بافل، الرئيس الراحل جلال طالباني، وقد تبنّى علناً ترشيح ريبر أحمد بارزاني، مرشّح «الديموقراطي» للرئاسة في وجه مرشّح «الاتحاد»، الرئيس الحالي برهم صالح، علماً أن اتفاق تقاسم المناصب بين الحزبَين الكرديَّيْن الرئيسيَّيْن لعام 2006، يعطي «الديموقراطي» رئاسة إقليم كردستان، مقابل رئاسة العراق لـ«الاتحاد».
وعشيّة الجلسة الثانية، كانت الصورة مشابهة لما كانت عليه في جلسة السبت، والتي حضرها 200 نائب ونائبان، بحسب إعلان رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، المنتمي إلى التحالف الثُّلاثي، من أصل 220 نائباً مطلوباً حضورهم لتأمين نصاب الثلثَين، وهو رقم شكّك فيه «الإطار التنسيقي»، الذي قال إن 126 نائباً رفضوا دخول البرلمان للمشاركة في الجلسة، من دون احتساب عدد من المتغيّبين. ويتوقّع رئيس كتلة «السند»، التي تنضوي ضمن «تحالف الفتح»، النائب أحمد الأسدي، في حديث إلى «الأخبار»، أن «لا يختلف سيناريو جلسة يوم الأربعاء عن جلسة السبت، حيث إن القوى التي كان لها موقف سياسي من جلسة انتخاب الرئيس ومثّلت الثلث الضامن ما زالت كما هي، سواءً القوى المُوقِّعة رسمياً على موقفها أو القوى التي أعلنت مقاطعة الجلسة لأسباب أعلنت عنها». وعن إمكانية تشكيل حكومة طوارئ، يشير الأسدي إلى أنه «ليست لدينا في الدستور حكومة طوارئ، وإنّما إعلان حالة طوارئ، وذلك لا يمكن إلّا من خلال طلب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وموافقة ثلثَي المجلس، ولا يمكن حدوث هذا الأمر دستورياً ولا قانونياً في الظرف الراهن». من جهته، يقول الناطق باسم «حركة امتداد»، منار العبيدي، في حديث إلى «الأخبار»، إن «أحداً لا يمكنه أن يتوقّع ماذا يمكن أن يحدث في الجلسة»، مؤكداً أن «موقفنا في امتداد لحدّ الآن هو حضور الجلسة، ما لم يحدث شيء جديد. ومن الممكن أن تَحدث توافقات أو أمور قد نراها غير مناسبة للمرحلة القادمة، فيمكننا التنصّل من الاتفاق بشأن الحضور».
وعلى أيّ حال، صار من المؤكد أن الانسداد السياسي الحالي في العراق ليس ثمّة مخرج منه إلّا بالتوافق بين الطرفَين «الشيعيَّيْن» الأساسيَّيْن، لينسحب التوافق على «المكوّنات» الأخرى، ولا سيما الكردي، وأن فرص الصدر للاستئثار بالحكم، معدومة، ومعها محاولات الاستغلال التي يقوم بها «الحزب الديموقراطي الكردستاني» لإعادة تفعيل النشاط الانفصالي، وتلك التي يخوضها حلفاء الإمارات وتركيا في «تحالف السيادة» لإعادة توزيع مغانم الحكم.