«الرئيس يدعو إلى إعادة المستوطنين وشد الرحال إلى القدس»، هكذا يجمع محمود عباس من أعلى سلطات له في الرئاسة والمنظمة و«فتح» تناقضات ما وصل إليه مشروع أوسلو والمفاوضات المتوقفة. الرجل الذي لم يستطع أن يقدم شيئاً إلى أسرى شعبه المضربين عن الطعام منذ أكثر من 56 يوماً يسعى إلى البحث عن 3 مستوطنين إسرائيليين فُقد أثرهم منذ أقل من أسبوع.
كذلك لم يتمكن «البيت الفتحاوي المتصدّع» من السكوت عن هذه التصريحات، حتى وإن سجلت على قائمة السجالات الداخلية والحرب بين عباس وغريمه الذي فصله من الحركة، محمد دحلان. مرة أخرى، يجمع القدر بين دحلان و«حماس» التي حاربته في غزة وأخرجته منها، ليقف الطرفان على خط واحد في الهجوم على أبو مازن.
«الأخبار» كانت قد كشفت أول من أمس عن تفاصيل اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير يوم الاثنين الماضي، وجاءت في الاجتماع مواقف عباس والحاضرين المتفاجئة من العتب الإسرئيلي على السلطة، رغم «دورها في البحث عن المنفذين وإبلاغها تل أبيب بأن حماس هي المسؤولة عن العملية». أما أمس، فكشف رئيس السلطة علناً ما كان يقوله في الاجتماعات المغلقة. وبصوت عالٍ وهجومي أعلن، في افتتاح الدورة الحادية والأربعين لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي في جدة، أن السلطة تبذل جهودها للمساعدة في العثور على «الشبان الثلاثة الصغار الذين اختطفوا، وهو الالتزام الذي تعبر عن حكومة الوفاق التي تؤمن بالتنسيق الأمني مع إسرائيل». وتابع: «التنسيق ليس عيباً وهناك من يلومنا، لكن التنسيق من مصلحتنا حتى نحمي أنفسنا، لأننا لا نريد العودة إلى انتفاضة تدمرنا»، مشيراً إلى أن «هؤلاء الشباب هم بشر... نريد حماية البشر». ومضى يقول: «نبحث عمن فعل هذا العمل لأنه يريد أن يدمرنا، لذلك سيكون لنا معه حديث آخر أيّاً كان من فعل هذه العملية، لأننا لا نستطيع أن نحتمل هذه العمليات، ولا نقدر على مواجهة دولة إسرائيل عسكريّاً أو بطريقة غير عسكرية».
«حماس» سارعت إلى إعلان موقفها من تصريحات عباس بالقول إنها «تضر المصلحة الفلسطينية وتخالف اتفاق القاهرة»، وذلك على لسان المتحدث باسمها سامي أبو زهري الذي أضاف عبر «الفايسبوك»: «تصريحات عباس عن التنسيق الأمني غير مبررة وتخالف الإجماع الوطني، وفيها إساءة إلى آلاف الأسرى الذين يتعرضون للموت البطيء في سجون الاحتلال». وأكمل أبو زهري: «هذه التصريحات تستند إلى الرواية الإسرائيلية دون توافر أي معلومات حقيقية... رغم ذلك نؤكد حق شعبنا في الدفاع عن نفسه».
أكثرُ من فتح النار على عباس، كان دحلان الذي أعلن من أبو ظبي «أننا في ذروة المعركة لإعادة رسم الخريطة الجغرافية والسياسية للضفة المحتلة»، وأن «قطاع غزة لن يبقى بعيداً عن السيناريو المقبل». دحلان كما عادته اتخذ من «الفايسبوك» منبراً ليهاجم رئيس السلطة، وعلق قائلاً: «مشاركة الأجهزة الأمنية في العبث الإسرائيلي بالشعب الفلسطيني خلال الأيام الماضية تحدث بالطبع بقرار من محمود عباس الذي لم يفوت الفرصة لتأكيد عجزه وتخاذله». واسهب: «رئيس يصمت حين يجب أن يتحدث، ويتحدث بالهراء عن قدسية التنسيق أو العبودية الأمنية لإسرائيل حين يجب أن يصمت... رئيس يهرب حين يجب أن يكون في مقدمة الأحداث، ويقفز إلى الواجهة حين يجب أن يتوارى إلى الخلف، وهو لا يرى في المشهد الفلسطيني المر إلا نفسه وأولاده ومصالحهم المالية».
ورغم أن دحلان كان على رأس جهاز الأمن الوقائي الذي اشتهر بتنسيقه الأمني الكبير مع إسرائيل ومحاربته فصائل المقاومة، فإنه انتقد تصرفات الأجهزة الأمنية في الضفة، قائلاً: «هناك فرق شاسع بين أن تفعل الأجهزة واجباتها وبين أن يزج بها قهراً لتنفيذ واجبات ومقررات إسرائيلية». وهدد في الوقت نفسه بأن «على الجميع أن يدرك أن بركاناً فلسطينيّاً يغلي بقوة، وليست إلا مسألة وقت قبل أن يقذف بحمم انتفاضة جديدة».
(الأخبار، أ ف ب، الأناضول)