عمّان | على رغم محدوديّة العلاقات بين كلّ من الأردن وأوكرانيا، والتي تُجلّيها مثلاً حقيقة أن السفارة الأردنية في أنقرة هي نفسها المعتمَدة بالنسبة إلى كييف، إلّا أن المملكة تُظهر اهتماماً بالغاً بالحرب الدائرة في شرقيّ أوروبا، وذلك لتأثّرها بها على مستويات متعدّدة، شأنها شأن دول المنطقة كافّة. والظاهر أن عمّان تحاول، كما غيرها من العواصم الواقعة بين نارَين، إمساك العصا من المنتصف، الأمر الذي يعكسه مثلاً إعلان وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، «(أننا) نأمل في نزع فتيل الأزمة في أوروبا عبر الحوار المستند إلى القانون الدولي، وفي أن تنجح الجهود المكثّفة التي تُبذل الآن من أجل إنهاء التوتر والعودة إلى الهدوء ومعالجة القضية بالطرق الدبلوماسية». لكن زيارة الملك عبد الله الأخيرة إلى ألمانيا والنرويج، والتي حضر فيها مناورات عسكرية مشتركة لأكثر من 30 ألف جندي من «حلف شمال الأطلسي» والدول الشريكة من خارجه بما فيها الأردن، أنبأ بدور محتمل للأخير في التحشيد الغربي ضدّ روسيا، على خلفية عمليّتها العسكرية في أوكرانيا. ويُعدُّ الأردن من «الشركاء الرئيسيين» لحلف «الناتو»، الذي تجمعه معه علاقات تعاون وثيقة، تعزَّزت في عام 2018، بعد توقيع الجانبين على مشروع يهدف إلى «بناء القدرات الدفاعية للمملكة»، من أجل مساعدتها في تأمين حدودها المشتركة مع سوريا والعراق، وأيضاً تطوير إمكاناتها في مجال الأمن السيبراني. إلّا أن أيّ انزياح أردني نحو تبنّي الموقف الغربي بشكل كامل من الأزمة الأوكرانية، من شأنه التأثير سلباً على ملفّات مشتركة عديدة ما بين موسكو وعمّان، على رأسها ملفّ الجنوب السوري، والذي يمثّل مسألة جوهرية وحسّاسة بالنسبة إلى الأردن، الذي يَعقد في هذا الشأن اجتماعات ثلاثية مع الولايات المتحدة وروسيا، لإبعاد أيّ قوات لا يرغب في وجودها على حدوده.
على رغم ما تَقدّم، لا يزال المشهد الأردني العام يوحي بنوع من التوازن؛ فبينما شهد محيط «حديقة الصداقة الأوكرانية - الأردنية» وقفة احتجاجية، شاركت فيها الجالية الأوكرانية في عمّان (المكوّنة من نساء متزوّجات من مواطنين أردنيين، وأطفال من زواج مختلط)، وسفيرة أوكرانيا لدى الأردن، ميروسلافا شيرباتيوك، تنديداً بالهجوم الروسي، وقّعت مجموعة من الناشطين والسياسيين بياناً استنكرت فيه السلوك الإعلامي «المنحاز والأعمى»، داعيةً وسائل الإعلام الأردنية إلى «التمسّك بمنهج الرأي والرأي الآخر في تغطيتها، وألّا تنحاز إلى جهة دون أخرى في تغطية الأزمة الروسية - الأوكرانية، لأن من حقّ الناس معرفة الحقيقة». وجاء هذا البيان بعد أيام من الملاحظة التي وجّهها السفير الأميركي، هنري ووستر، إلى مقدّم برامج قناة «رؤيا» المحلية، محمد الخالدي، مطالباً إيّاه بـ«تقليل بثّ أخبار روسيا اليوم، وسبوتنك، على شاشة رؤيا»، ليردّ عليه الخالدي، بالقول: «نحن نعتمد جميع وجهات النظر».
يُعدُّ الأردن من «الشركاء الرئيسيين» لحلف «الناتو»، الذي تجمعه معه علاقات تعاون وثيقة


في غضون ذلك، ينصبّ التركيز الأردني حالياً على مساعدة الجالية الأردنية في أوكرانيا، والبالغ تعداد أفرادها، وفق الأرقام الرسمية، أكثر من 2606، بينهم 727 طالباً جامعياً موزّعين على 37 جامعة. وفي هذا الإطار، تنعقد، بشكل مستمرّ، خلية أزمة كانت وزارة الخارجية شكّلتها في شباط الماضي، بهدف تكثيف التواصُل مع الأردنيين الموجودين في أوكرانيا، وتحديد نقاط اتّصال في ما بينهم، علماً أن الوزارة تتحدّث إلى الآن عن خروج هؤلاء من غرب أوكرانيا، فيما لا تتوافر معلومات عن انتقالهم شرقاً، أي في اتّجاه موسكو. وكان «المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات» أعلن شمول الفلسطينيين المقيمين على الأراضي الأوكرانية وعائلاتهم، بالقرار المتضمّن إعفاء جميع المواطنين الأردنيين المقيمين هناك وعائلاتهم من قيود السفر المرتبطة بجائحة «كورونا»، فيما أكد وزير الخارجية استعداد وزارته لتقديم كلّ المساعدة المطلوبة للطلّاب المقدسيين العالقين على الحدود.
على المستوى الاقتصادي، وعلى رغم ما يراه البعض من مبالغة في الحديث عن انقطاع الإمدادات الروسية أو الأوكرانية في إطار «الحرب الإعلامية الدائرة»، إلّا أن السوق الأردنية تأثّرت بالفعل بتداعيات الحرب، حيث ارتفعت الأسعار بشكل جنوني، وخصوصاً منها أسعار الزيوت النباتية المستوردة بنسب تُراوح ما بين 20% و38%، بحسب دراسة أعدَّتها «جمعية حماية المستهلك». وولّد ذلك مخاوف لدى المواطنين من أن تنسحب هذه الزيادات على بقيّة السلع الأساسية، ولا سيّما قبيل بدء شهر رمضان، خصوصاً أن المزارعين الأردنيين مُنيوا بخسائر فادحة جرّاء موجات الصقيع في الشتاء الحالي.
وتُشير الأرقام المنشورة على الموقع الإلكتروني لدائرة الإحصاءات العامة، لعامَي 2019 و2020، إلى أن حجم الواردات من أوكرانيا، ارتفع بنسبة 7.4%، فيما انخفضت الصادرات إليها بنسبة 87.6%. أمّا بالنسبة إلى روسيا، فقد ارتفع حجم الواردات منها بـ12.5%، وانخفضت الصادرات إليها بـ13%. ومن المفيد الإشارة، في هذا المجال، إلى أنّ حجم الواردات من روسيا، بلغ 1.5% من مجموع واردات الأردن، في عام 2020، فيما مثّلت الصادرات الأردنية 0.03% من مجموع الصادرات للعام ذاته. أمّا نسبة الواردات الأردنية من أوكرانيا، في السنة نفسها، فقد بلغت 1.2% من مجموع الواردات، في مقابل 0.02% من الصادرات إلى البلد المذكور. وتشكّل الحبوب 56% من الواردات الأردنية من روسيا (2020)، و14% من الحديد، بينما تشكّل الشحوم والزيوت النباتية 18.3% من واردات الأردن من أوكرانيا (2020)، و29% من الحديد.