تثير زيارة رئيس حكومة العدو، نفتالي بينيت، لمدينة شرم الشيخ المصرية للقاء الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، والحاكم الفعلي للإمارات، وليّ عهد أبو ظبي محمد بن زايد، جملة من الأسئلة، قد تكون المصادر الدبلوماسية الإسرائيلية، أجابت عليها إجابة عامّة، عنوانها «البحث في المصالح الأمنية المشتركة». لكن ما هي هذه المصالح الأمنية التي تجمع إسرائيل والإمارات ومصر، والتي قالت المصادر إن «الكثير منها يثير قلق المجتمعين في شرم الشيخ؟». بالطبع، ما يتبادر إلى الأذهان فوراً في هذه الحالة، هو «التهديد الإيراني». لكن هل هو كذلك فعلاً؟ وهل لقاء شرم الشيخ من شأنه أن يلجم هذا التهديد؟ أم أن الصرخة الثلاثية المشتركة موجّهة إلى الراعي الأميركي للأطراف الثلاثة؟لا يمكن فصل زيارة بينيت، ومَبيته على غير عادة رؤساء حكومات العدو في مصر، عن سياقاتها التي بدأت تُظهر أخيراً، امتعاضاً واستياءً من الإدارة الأميركية، التي تتعمّد «إدارة الظهر» للقلق المثار من الدول الإقليمية الحليفة لها، وتحديداً ما يُقال عن إهمالها منطقة الشرق الأوسط عموماً، لمصلحة جبهات أخرى، افتُتحت، أو هي في طور الافتتاح، في وجه واشنطن، في أوروبا وشرق آسيا. وكانت تل أبيب قد بالغت في تظهير هذا الاستياء، عقب تتالي المؤشرات الواضحة من واشنطن، عن قرب توقيع اتفاق نووي جديد في فيينا، تصفه إسرائيل بأنه «أسوأ بكثير» من اتفاق عام 2015، حيث تعتقد أن الأميركيين قدّموا تنازلات مبالغاً فيها، ومن دون أن يحصلوا على أيّ مقابل يوازيها من ناحية إيران، وتحديداً في ما يتعلّق بنفوذ طهران الإقليمي، وتنامي قدراتها العسكرية غير النووية، علماً أن هذه الأخيرة هي التي تمثّل التهديد الحقيقي، والأكثر حضوراً وتأثيراً لدى الكيان العبري وحلفائه.
تشعر الأطراف الثلاثة أن من الواجب «الصراخ» في وجه واشنطن، وإن كان لا يمكن التخلّي عن رعايتها


أمّا بالنسبة إلى الحلفاء الأقدم في الإقليم، كالإمارات ومصر، فمن الواجب، بالنسبة إليهم، «الصراخ» في وجه الولايات المتحدة - وإن كان لا يمكنهم التخلّي عن رعايتها لهم -، بهدف إفهام مَن في الإدارة الأميركية أن «ترك المنطقة وإهمالها، لا يثيران قلق الحلفاء فقط، بل يدفعانهم أيضاً إلى توسّل خيارات أخرى». وهذه الصرخة لا تفتأ تتصاعد تدريجياً، في وجه استراتيجية الولايات المتحدة التي تتخلّى نسبياً عن أهمّ أوراق قوّتها في وجه «التهديد الإيراني»، وهي «استخدام النفوذ العسكري أو التهديد باستخدامه، لتحقيق أهداف سياسية». لكن السؤال هنا: هل يُنتظر من اللقاء الثلاثي أن يغيّر فعلاً من تلك الاستراتيجية؟ تبدو الإجابة سهلة، وهي أنه لا تغييرات كبيرة متوقّعة، ربطاً بحقيقة أن الأطراف الثلاثة، كما غيرها من الدول الحليفة والتابعة، غير قادرة على بلورة خيارات أخرى على نحو دراماتيكي، بعيداً من البقاء في الفلك الأميركي. وهنا، تبرز المعضلة التي يعانيها هؤلاء؛ إذ إن عجزهم عن التخلّي عن الرعاية الأميركية، يدفع الأميركيين أنفسهم الى الإبقاء على خياراتهم كما هي من دون تغييرات كبرى.
إلا أن «اليأس» من تغيير الموقف الأميركي لا يعني أن لا تبادر إسرائيل، عرّابة العداء لإيران، إلى محاولة بلورة تحالفٍ ما، يخدم أمنها في مواجهة أعدائها، وما لقاء شرم الشيخ سوى جزء من تلك المحاولات، وإن كانت النتائج غير مضمونة، في هذه المرحلة على الأقلّ. وانطلاقاً ممّا سبق، وصفت «القناة 13» العبرية، القمة الثلاثية في شرم الشيخ، بأنها «قمّة ضدّ إيران»، وتأتي على خلفية «الاتفاق النووي الذي يتشكّل بين طهران والقوى العظمى في فيينا». فيما تكشف تعليقات عبرية أخرى، كما ورد في «يديعوت أحرونوت» مثلاً، أن اللقاء «جزء من هندسة إسرائيلية كاملة لمحاصرة الإيرانيين عبر القوى الإقليمية، بما في ذلك تركيا، التي شهدت أخيراً نوعاً من تحسين العلاقات مع إسرائيل». وعلى المقلب الآخر، وتحديداً دولة الإمارات - إلى جانب بيانات مصرية «حمّالة أوجه» -، بدت لافتةً جدّاً تصريحات إماراتية إلى صحيفة «جيروزاليم بوست» العبرية، جاء فيها أن أبو ظبي «في حالة من الصدمة» نتيجة الأفعال الأميركية، بل أكّد المصدر الإماراتي أنه «من الصعب على الإمارات العمل مع إدارة (الرئيس الأميركي جو) بايدن في الشؤون الأمنية، والعلاقة البينيّة تدهورت».