درعا | صبيحة ذكرى بداية الأحداث الدامية في سوريا، وتحديداً في «مهدها الأوّل» في محافظة درعا، دارت مواجهات عنيفة، قبل يومين، بين القوى الأمنية السورية، ومسلّحين متمركزين في الأحياء الغربية والجنوبية الغربية لمدينة جاسم في ريف درعا الشمالي. ووقع الاشتباك أثناء تنفيذ الأجهزة الأمنية مداهمة بحثاً عن مطلوبين ومتورّطين في عمليات اغتيال وتفجيرات، قبل أن تصطدم القوّة المُداهِمة بمجموعات المطلوبين، الذين استخدموا أسلحة فردية وقذائف صاروخية ضدّها. واستمرّت المواجهات عدّة ساعات، وأدّت إلى مقتل أحد المطلوبين، وإعطاب آليتَين للقوى الأمنية، في وقت تمّ فيه تعليق دوام المدارس حرصاً على سلامة الطلّاب. وبينما وصلت تعزيزات للجيش السوري إلى المنطقة بهدف محاصرة المسلّحين في بعض كتل الأبنية، ومنع تمدّدهم إلى السهول والمزارع المحيطة، بدأت محاولات من وجهاء العشائر للتوسّط لإنهاء القتال، وسط إصرار القوّات السورية على تسليم المطلوبين ومطلقي النار على الدوريات. وعلى رغم عدم وجود مناطق واقعة بكاملها تحت سيطرة المسلّحين في محافظة درعا، وعلى الرغم أيضاً من إتمام ملفّ التسوية هناك، إلّا أن الاغتيالات لم تتوقّف في المحافظة الجنوبية، وتحديداً في الريفَين الغربي والشمالي منها، حيث تُعدّ مدينة طفس إحدى أبرز المدن التي تشهد انفلاتاً أمنياً وظهوراً علنياً للسلاح. وفي منتصف الشهر الفائت، خرج بضعة آلاف في تشييع القيادي السابق في الفصائل المسلحة، مصعب البردان، بعد أن توفّي متأثّراً بجروح أصيب بها جرّاء إطلاق النار عليه من قِبَل مجهولين في بلدة عتمان. ولفّ المشيّعون جثمان البردان بـ«علم المعارضة» ذي النجمات الثلاث، في سابقةٍ هي الأولى منذ إتمام تسوية 2021 في المنطقة الجنوبية. ويُعتبر البردان أحد الوجهاء الرئيسيين في المنطقة، ويتمتّع بشعبية كبيرة، وهو الإداري في نادي طفس الرياضي لكرة القدم، وتعرّض لحملة كبيرة ضدّه في أعقاب زيارته محافظ درعا السابق، وتقديمه للأخير هدية رمزية باسم فريقه. وبعد أسابيع قليلة من تلك الحملة، هاجم مسلّحون ملثّمون سيارة تقلّ البردان مع رفاقه، ما أدّى أخيراً إلى مصرعه متأثراً بإصابته. ووَجّهت بقايا الفصائل الجنوبية المسلّحة أصابع الاتّهام بقتله لمجموعات التسوية التي تربطها علاقة وثيقة بأجهزة أمنية رسمية، بينما رجّح آخرون مسؤولية المتزعّم في مجموعات التسوية المدعو أبو طارق الصبيحي، عن هذه العملية، بسبب ثأر له مع البردان، تحوَّل إلى خلاف عشائري وعائلي، ليس بجديد على الريف الغربي. ويبرز هنا دور عشائر درعا؛ إذ تحاول الإسهام بشكل إيجابي في مهمّة ضبط الأمن داخل بنيتها، ومكافحة الإتجار بالمخدّرات أو التورّط في عمليات الاغتيال، تحت طائلة المحاسبة و«النفي» خارج العشيرة والمنطقة. ويكشف الشيخ بسام المسالمة، أحد وجهاء عشيرة المسالمة في درعا، في حديث إلى «الأخبار»، أن «دور العشائر أخذ منحىً تصاعدياً خلال الأسابيع الماضية، وسط تواصل مستمرّ مع مختلف عشائر حوران للقيام بإجراءات موحّدة تمنع الانتساب لعصابات القتل والمخدرات». ويتحدّث المسالمة عن «أكثر من 15 مصالحة عائلية وعشائرية، تمّ إبرامها خلال فترة وجيزة، ومعظمها متعلّق بجرائم القتل في طفس والمزيريب وداعل، على رغم المعوّقات والصعوبات التي وصلت إلى حدّ المواجهة المباشرة مع أطراف الصلح في الريف الشمالي».
سجّل شهر شباط الفائت التصعيد الأعنف منذ نهاية ملفّ التسويات


وسجّل شهر شباط الفائت، التصعيد الأعنف منذ نهاية ملفّ التسويات، والذي طال ضبّاطاً وعسكريين وعناصر تسوية ومدنيين. إذ نعت وزارة الداخلية السورية، الرائد ماهر وسّوف، من الأمن السياسي، والذي كان يشغل منصب ضابط أمن معبر نصيب، وقضى بإطلاق النار عليه قرب جسر صيدا في الريف الشرقي. كما قضى 4 عسكريين في حوادث متفرّقة في قرى منطقة حوض اليرموك، إلى جانب 32 آخرين بين مدنيين وعناصر تسوية. وتجدر الإشارة إلى أن هذه العمليات لم تؤثّر على حركة العبور بين طرفَي الحدود السورية والأردنية، كما لم تُسجّل أيّ حادثة تتعلّق بالقوافل التجارية، وسط استمرار تسيير دوريات أمنية وعسكرية بمساعدة روسية، على طول الطريق الدولية. ومع اعتياد «الدرعاويين» على الحوادث المتفرّقة تلك، بقي هاجس المخدّرات يؤرّق المجتمع الجنوبي، حيث يسعى الأهالي إلى منع تورّط أبنائهم في العمل ضمن مجموعات الإتجار والتهريب الناشطة بقوّة على طول الحدود الأردنية، الممتدّة على ريفَي السويداء ودرعا.
وكانت نقطة التحوّل الرئيسة في شهر أيلول الماضي، عندما أُبرم اتفاق تهدئة طويل الأمد في درعا البلد، طُويت معه صفحة تمرّد طويل هناك، ودخلت المؤسّسات المدنية والعسكرية إلى المنطقة، بعد إخراج عشرات المسلّحين منها، وتسليمهم معظم الأسلحة الفردية والمتوسّطة. لكن مصير قادة المسلحين بشكل خاص، بقي معلّقاً، على رغم تراجع نفوذهم وخسارتهم مقاتليهم الذين غادروا عبر الحافلات الخضراء، برفقة عائلاتهم، إلى شمال البلاد. وفي هذا السياق، تكشف مصادر أمنية مطلعة، في حديث إلى «الأخبار»، أن «القياديَّين مؤيد الحرفوش ومحمد المسالمة، لا يزالان في عمق درعا البلد»، مضيفة أن «بقاءهما مرتبط بكفالة من وجهاء العشائر واللجنة المركزية المفاوِضة باسم المسلحين». وتضيف المصادر ذاتها أن «الكفالة العشائرية تقبّلتها الدولة السورية لمنع وقوع صِدام مباشر كفيلٍ بإجبار آلاف المدنيين على الخروج من منازلهم قسراً، بسبب المعارك المتوقّعة». أمّا في الريف الشرقي، وتحديداً بصرى الشام، فيغيب متزعّم «اللواء الثامن - تسوية»، أحمد العودة، عن المشهد تماماً، على رغم عبوره الحدود مع الأردن عدّة مرات بحُكم صلة القرابة التي تجمعه بعشائر شمال المملكة في الرمثا وإربد. لكن سطوته بقيت هي الغالبة في هذا الريف الشرقي، وهو مستمرّ بالتعاون مع الشرطة العسكرية الروسية في الحفاظ على الهدوء. وفي السياق، يتحدث أحد أهالي بصرى، إلى «الأخبار»، حول الهدوء الذي تشهده المدينة ومحيطها، حيث «تكاد الاغتيالات تكون معدومة، وسط إقبال من وفود روسية وأجنبية لمعاينة المدينة الأثرية ومدرجها الشهير، وتقديم المساعدة لترميمها، بالإضافة إلى حملات المساعدة الإغاثية التي توزّعها الشرطة العسكرية الروسية».