نابلس | تتواصل عمليات إطلاق النار ضدّ جنود العدو ومستوطِنيه في شمال الضفة الغربية المحتلّة، وسط توسّع مستمرّ في دائرة الاشتباك، وتكتّم إسرائيلي لافت على بعض العمليات. وعلى رغم اجتهاد قوات الاحتلال، بمعيّة السلطة الفلسطينية، في ملاحقة المطارَدين واعتقالهم، ولاسيما في جنين، إلّا أن كلّ المؤشّرات تنبئ بأن موجة التصعيد الحالية ستشتدّ، خصوصاً مع اقتراب شهر رمضان، وهو ما تتعالى منه التحذيرات الإسرائيلية، من دون أن تستثني القدس، التي تتزايد فيها اعتداءات المستوطنين على المسجد الأقصى. ومع اعتزام هؤلاء تنفيذ اقتحامات جديدة للمسجد بمناسبة «عيد المساخر» اليهودي، بعثت المقاومة برسالة تحذيرية إلى العدو، عبر الوسطاء، مفادها بأن المضيّ في ذلك سيؤدّي إلى تفجّر الأوضاع حتماً
يتواصل توسّع دائرة الاشتباك في شمال الضفة الغربية المحتلّة، تزامناً مع استمرار الملاحقة المزدوجة للمطارَدين والمقاومين في جنين، وسط تكتّم إسرائيلي لافت على بعض عمليات إطلاق النار (قبل أن يعلن جيش الاحتلال، في وقت متأخر من مساء أمس، اعتقال شابَّين، أحدهما مصاب، بعد تنفيذهما عملية إطلاق نار تجاه جنود الاحتلال قرب بلدة عقربا)، وآخرها عملية قرب بلدة عقربا جنوب نابلس، وتتابُع التحذيرات الإسرائيلية من تصعيد محتمل مع بدء شهر رمضان. وسُجّلت، ليلة الخميس الماضي، عملية مفاجئة عند مدخل عقربا، حيث أطلق مقاومون النار تجاه مركبة إسرائيلية وانسحبوا من المكان، فيما بدا لافتاً عدم اعتراف وسائل إعلام العدو بالعملية، حيث لم يَرِد الخبر حتى الآن سوى عبر بعض المنتديات والمجموعات الإخبارية غير الرسمية. ويقول شهود عيان، لـ«الأخبار»، إن طلقات نارية سُمع صوتها قرب المدخل الغربي للبلدة قرابة الساعة 11:00 قبيل منتصف الليل، تلاها تبادل إطلاق نار، قبل أن تقتحم قوات الاحتلال المكان، وتُجري عمليات تمشيط تخلّلها إطلاق نار من طرف الجنود، مع أعمال بحث وتفتيش إسرائيلية في أراضٍ زراعية ومنشآت لتربية المواشي. ويكشف مصدر مطّلع، لـ«الأخبار»، عن إحراق مقاومين مركبة يبدو أنهم استخدموها في العملية، حيث عُثر عليها مشتعلة بعد نحو ثلاث ساعات من إطلاق النار الأول، في وقت استجوب جنود العدو برفقة «الشاباك» مجموعة من الشبان، وصادروا تسجيلات كاميرات مراقبة من محلات تجارية قريبة من المنطقة الغربية في عقربا. ومع حلول ساعات نهار الخميس، استمرّ جيش الاحتلال في نصب حواجزه في محيط البلدة، وشنّ عمليات تمشيط في سهل محفوريا قربها، في حين اعتَقل اثنين من الفتية على حاجز عند أحد مداخلها.
تتكتّم سلطات الاحتلال على كثير من عمليات إطلاق النار في الضفة الغربية


ويرى مراقبون أن سلطات الاحتلال تتكتّم على كثير من عمليات إطلاق النار في الضفة الغربية، لأسباب عدّة من بينها رغبة العدو في منع التصعيد الأمني على الأرض، بخاصة مع إعلانه عدم فرض إغلاق بين الضفة والأراضي المحتلة عام48، لأوّل مرّة منذ خمس سنوات، في «عيد المساخر»، فضلاً عن أن تكرار الإعلان عن عمليات سيشي بانفلات الأمن، مع ما سيستجلبه ذلك من تداعيات مختلفة، كرغبة مستوطنين في الانتقام من الفلسطينيين وتصعيد اعتداءاتهم ضدّهم في كلّ مكان، الأمر الذي سيستتبع بدوره ردّ فعل فلسطينياً معاكساً. ويعتقد آخرون أن عدم الإعلان الإسرائيلي الرسمي عن العمليات، يعود أحياناً إلى عدم وجود أدلّة ملموسة على وقوعها، كما في حالة أن يبلّغ مستوطن عن تعرّضه لإطلاق نار، لكن بعد البحث لا يَعثر الجيش على فوارغ رصاص المقاومين أو أدلّة أخرى تثبت كلام المستوطن. كما أن إطلاق النار البعيد تجاه هدف إسرائيلي والانسحاب، لا يؤكد بالضرورة تعرّض جنود أو مستوطنين للاستهداف، لأن المقاومين في الآونة الأخيرة يعملون بجهد فردي، ويطلقون النار وينسحبون من دون إصابة الهدف، بالتالي قد يظنّ المستوطنون أو الجنود أن الصوت صادر من بلدة فلسطينية، لكنه لا يستهدفهم حتماً، بل قد يكون «تجريب سلاح» أو إطلاق نار في زفاف أو مناسبة. وتواصلت الاشتباكات المسلّحة في طوباس وجنين ونابلس، تزامناً مع اقتحام جيش العدو لهذه المدن في الأيام الثلاثة الأخيرة. ففي طوباس، تعرّضت قوة من جيش الاحتلال لإطلاق نار خلال اقتحام ليلي ومهمّة اعتقالات روتينية، وكذلك الأمر في جنين، أمّا في نابلس، فأطلق مقاومون النار عدّة مرات تجاه الجيش الإسرائيلي، خلال مرافقته اقتحام مستوطنين لمنطقة قبر يوسف شرق المدينة.

ملاحقة مزدوجة مستمرّة
بالتزامن مع تلك التطوّرات، واصل جيش العدو وأمن السلطة ملاحقة المطارَدين في جنين؛ إذ أجبر «الشاباك» الإسرائيلي، المطارَد رازي غنام، من بلدة جبع، على تسليم نفسه، بعد سلسلة ضغوط عنيفة على عائلته واعتقال شقيقه وأقارب له، واقتحام منزله المتكرّر وتخريب محتوياته وتهديده بالاغتيال، وأيضاً بعد أن رفض أمن السلطة حماية غنام واحتجازه في مقرّاته، على رغم أن المطارَد هو أمين سرّ حركة «فتح» في البلدة. كذلك، اعتقل أمن السلطة المطارَد محمود مراد السعدي، الذي ينتمي إلى حركة «الجهاد الإسلامي»، فيما اعتقلت قوّة مستعربين من جيش العدو المطارَد مؤمن نشرتي، عند مدخل مخيم جنين، بعد يوم من اعتقال السعدي.
وعلى رغم الضربات الاعتقالية المتتالية في شمال الضفة الغربية، إلّا أنه لا شيء يوحي بالهدوء، حتى أن رئيس «الشاباك»، رونين بار، بعث بنفسه برسالة إلى الإدارة الأميركية تحذّر من إمكانية تفجّر الأوضاع واشتعال مواجهة جديدة في شهر رمضان، فيما تحدّث بهذه النبرة أيضاً عدّة محلّلين وصحافيين إسرائيليين. ويرى مصدر مقرّب من المقاومة في جنين أن الضغط على المطارَدين من حركة «الجهاد الإسلامي» لن يدفع في اتّجاه اشتباكات مسلّحة داخلية مع السلطة الفلسطينية، بل قد يزيد احتمالية تفجير الأوضاع نحو العدو الإسرائيلي بشكل أكبر، «لأن تصويب البنادق نحو السلطة أمر مستحيل في قاموس جنين، ولم يتربّ عليه أبناؤها تاريخياً».