عمّان | في أعقاب ظهور تسريبات باندورا التي تناولت ممتلكات ملك الأردن، عبد الله الثاني، وثروته، وكذلك بيانات مصرف "سويس كريدي"، عادت قضية الأمير حمزة إلى الظهور، لكن هذه المرّة ضمن خانة ضيّقة عنوانها الاعتذار. إذ أبرق الأمير برسالة اعتذار إلى الملك (الأخ غير الشقيق له)، بعد مرور نحو عام على ما بات يُعرف بـ"قضية الفتنة"، التي كشفت عن لقاءات ومراسلات بين حمزة والمبعوث الخاص للقصر الهاشمي إلى الرياض، باسم عوض الله، الذي شغل منصب رئيس الديوان الملكي أيضاً، إضافة إلى أحد أعضاء العائلة المالكة، الشريف حسن بن زيد، وذلك لمساعدة حمزة على الوصول إلى سدّة الحكم، بعدما قرّر الملك عبد الله إعفاءه من ولاية العهد عام 1999، وتسمية نجله، حسين، بعدها بسنوات، للمنصب.وأعلن الديوان الملكي الهاشمي، قبل أيام، عن لقاء جمع عبد الله بحمزة، بحضور الأمير فيصل (الأخ الشقيق للملك)، والأمير علي (أخيه غير الشقيق)، من دون الإشارة إلى وجود الأمير حسن، العمّ الكبير الذي تولّى الشقّ العائلي من "قضية الفتنة"، وتعامل مع حمزة بشكل مباشر قبل عام. وحمل اللقاء عنواناً واحداً هو الاعتذار عبر رسالة من حمزة قال فيها: "أخطأتُ يا جلالة أخي الأكبر، وجلّ من لا يخطئ. وإنني إذ أتحمّل مسؤوليتي الوطنية إزاء ما بدر مني من مواقف وإساءات بحق جلالة الملك أو بلدنا خلال السنوات الماضية وما تبعها من أحداث في قضية الفتنة، لآمل بصفحك الذي اعتدنا عليه من جلالتك... أعتذر من جلالتك ومن الشعب الأردني ومن أسرتنا عن كلّ هذه التصرّفات التي لن تتكرّر". وقال بيان الديوان الملكي إن "إقرار الأمير حمزة بخطئه واعتذاره عنه يمثّل خطوة في الاتجاه الصحيح، على طريق العودة إلى دور أصحاب السمو الأمراء في خدمة الوطن وفق المهام التي يكلفهم بها جلالة الملك". وكان الديوان الملكي قد أعلن، قبل حوالى شهر، وفق البروتوكولات المتبعة، عن مولود جديد للأمير حمزة، في ما يَظهر اليوم أنه كان تمهيداً لحلحلة قضية الأمير كي لا تبقى شوكة في حلق النظام، وذلك عبر إظهار حمزة على أنه يعيش حياة طبيعية مع أهل بيته، وأن حقوقه كأمير مستمرّة، سواء باللقب أو المخصّصات.
تُطوى قضية الأمير حمزة ــــ في شقّها المتعلّق بهذه الشخصيّة تحديداً ــــ بـ"حلّ عائلي" لا يَحتمل تدخّل أحد


لكن إعادة إحياء هذه القضية تحمل أبعاداً متعدّدة، سواء على الصعيد الداخلي المحتقن بفعل الوضع الاقتصادي وتداعيات جائحة "كورونا"، وفي الوقت ذاته التسريبات عن ثروة الملك واستثماراته العائلية الخارجية، أو على الصعيد الخارجي المتعلّق بملفّات المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية واللقاءات العلنية مع إسرائيل ومآل المشاريع المشتركة (الماء مقابل الكهرباء)، عدا عن الدور الأردني القادم، سواء في سوريا أو العراق، والتحدّيات الكبيرة في الإقليم، والتي يحتاج التعامل معها إلى إرساء هدوء داخلي في بيت الحُكم، لن يتحقّق إلّا بتطبيع العلاقة مع حمزة. ولا يُنظر في ذلك إلى كون الأخير على صواب أو على خطأ، بل إلى ضرورة عدم ترك الملفات مفتوحة حتى لا يُعاد استخدامها من جديد، إضافة إلى أن "الصُلحة" ستأتي في مصلحة النظام الأردني إن استجاب للضغوط عليه من أجل إطلاق سراح عوض الله أو جعله يكمل محكوميته في مكان خارجي، وهي ضغوط في جوهرها أميركية، وإن لم تكن بالضرورة من البيت الأبيض. وفي ظلّ الصداقات المباشرة التي تجمع عبد الله مع أعضاء في الكونغرس وشخصيات أخرى، يمكن عدّ خطواته الأخيرة هذه نوعاً من التخادم، شأنها شأن كشف مراسلات حمزة ــــ عوض الله العام الماضي.
هكذا، تُطوى قضية الأمير حمزة ــــ في شقّها المتعلّق بهذه الشخصية تحديداً ــــ بـ"حلّ عائلي" لا يَحتمل تدخّل أحد، جرى من خلاله "حرق" حمزة تماماً، بالاستثمار في احترام المجتمع الأردني المحافظ بطبعه، لمثل خطوط حمر كهذه، علماً بأن بعض التيّارات المؤثّرة في الأردن كانت قد تجاوزت عن مسألة الإقامة الجبرية لحمزة، والتحكّم بتحرّكاته وتحرّكات عائلته، على رغم أن القيود بدت أقلّ حدّة في حالة عوض الله، الذي قد يُسمح له بالمغادرة. الملاحظ أن الموالاة والمعارضة على السواء أقرّت بـ"صدق" رسالة الاعتذار، وتحدّثت عنها بأريحية كما لو أنها بداية "العودة الميمونة للابن الضالّ". وفيما لم يلقَ الحدث صدى كبيراً في الصحافة الأجنبية أو المحلّية على السواء، فالأكيد أن عبد الله الذي أعاد أخيراً هندسة البيئة السياسية عبر لجنة ملكية لتحديث المنظومة، وتفصيل قانونَي أحزاب وانتخابات يتوافقان مع رؤيته، وانتقل بعد ذلك إلى ورشات اقتصادية يقيمها بعيداً عن الحكومة، وصل إلى مرحلة ترتيب العائلة لضمان عدم تكرار ما حدث من ناحية، وليكون العقاب رادعاً عن التفكير في زعزعة حُكمه وحُكم نجله القادم.